x

سمير عمر موجز الأحزان سمير عمر الخميس 15-10-2015 21:25


فى حياتنا قضايا من فرط عدالتها لا تحتاج لانحيازنا، بل تحتاج فقط لإنسانيتنا، ولعل أبرز نموذج لهذه القضايا القضية الفلسطينية التى تؤرخ لأكبر عملية سطو مسلح عرفها التاريخ قديمه وحديثه، فالعصابات الصهيونية- ومَن دعمها وأيدها وهادنها وسار فى ركابها، منذ مطلع القرن العشرين حتى كتابة هذه السطور- سجلت أرقاما قياسية فى معدل الجرائم وتنوعها واتساع رقعتها واختلاف المستهدفين فيها، لذا لم يكن مستغربا تلك الحملة المسعورة التى تشنها عصابة نتنياهو على المسجد الأقصى ومدينة القدس- العاصمة الأبدية لفلسطين- فالرجل لم يأت بجديد، بل سار على طريق أسلافه كبار المجرمين، مؤسسى دولة العنصرية من مصاصى الدماء وآكلى لحوم البشر، لكن المستغرب، بل المثير لكل معانى الازدراء هو موقف بعض العرب الذين يرون فى مقاومة الفلسطينيين للعدوان الإسرائيلى المستمر على أبناء الشعب الفلسطينى عبثاً لا يفيد القضية الفلسطينية فى شىء، بل يزيدون أن ما يفعله الشبان الفلسطينيون الغاضبون سيصب حتما فى مصلحة إسرائيل!!!

هكذا، وبكل بساطة، يطلب منا هؤلاء أن ندين ما يفعله الفلسطينيون إذا شئنا أن ندين ما ترتكبه العصابة الإسرائيلية، وكأن الإجرام غير المحدود لعصابات إسرائيل من الجيش والشرطة وقطعان المستوطنين يتساوى مع محاولات الشباب الفلسطينى، القابض على جمر حلم التحرير، الرد على تلك الجرائم، ولو بتصرف عفوى ترجمه فى طعنة سكين أو إلقاء حجر.

المحزن أيضا أن بوادر الانتفاضة الشعبية التى تلوح فى كل الأراضى الفلسطينية، ومقاومة الفلسطينيين لجرائم إسرائيل لا تكاد تجد لها صدى فى المجتمعات العربية، فأخبار الحرب فى اليمن والمعركة فى سوريا والأزمة فى العراق والصراع فى ليبيا والقلق فى الخليج والتوتر فى المغرب العربى والمشاكل فى مصر- كل هذه الملفات- أخذت المواطن العربى بعيدا عن القضية التى كانت توصَف بـ«قضية العرب المركزية»، وبات مواطنو كل قطر عربى مشغولين بهمومهم الداخلية ومشاكلهم المباشرة، وهو أمر لو تعلمون خطير، إذ يتجاهل التأثير المباشر وغير المباشر لدور إسرائيل فى إشعال النيران داخل تلك الأقطار العربية، ويتجاهل أيضا حقيقة أن كل بلاء يقع فى أى قطر عربى يصب حتما فى صالح إسرائيل.

إن ما يحدث فى فلسطين ليس شأنا فلسطينيا، بل هو شأن عربى وإسلامى بامتياز، ومَن يحاول تصوير الأمر على أنه نزاع بين الفلسطينيين وإسرائيل فهو إما جاهلا أو خائنا.

لقد حان الوقت لإعادة ترتيب أولوياتنا الوطنية والقومية من جديد بما يضع الخطر الإسرائيلى فى مقدمة الأخطار التى تواجه الأمة العربية، ولا مجال هنا للحديث عن أخطاء ارتكبها فصيل فلسطينى فى وقت من الأوقات، فالقضية أكبر من أى فصيل.

قد يقول قائل: وكيف لنا أن ندعم الفلسطينيين ونحن نمر بأزمات لا تنتهى؟ ويقول آخر: أنت تريدنا أن نذهب للحرب وما بنا طاقة للحرب ولا تحمل تبعاتها؟! وفى الواقع هذه أقوال مكررة ومواقف سبق أن شاعت فى المجتمع المصرى وكثير من البلدان العربية، خاصة بعد توقيع اتفاقية الصلح بين السادات وبيجين.

يا أيها السادة إذا كنتم لا تستطيعون القتال ولا تطيقون دفع كلفة الحرب، فلا أقل من أن تقفوا إلى جانب المظلوم، وألا تنصروا الظالم وتوفروا له أسباب الاستمرار فى ظلمه.

المسألة ببساطة أن هناك دولة تسمى فلسطين حدودها معروفة وشعبها معلوم، هذه الدولة سرقتها عصابات صهيونية مدعومة بقوى الاستعمار العالمى، ممثلة فى إنجلترا، مطلع القرن العشرين، ثم تولى الاستعمار الجديد ورأس حربته، ممثلا فى أمريكا، مساندتها ودعمها ضد الجميع، حتى تآكلت الدولة وتشرد شعبها فى شتى بقاع الأرض، وأمام كل مواطن فلسطينى كان يُجبَر على الرحيل من وطنه كان هناك شخص آخر يأتى من بلد آخر ليعيش فى منزله ويأكل من خيرات بلاده، ويحمل جنسية دولة أخرى أُسِّست بالسرقة والنهب وحملت اسم «إسرائيل».

المسألة ببساطة: إما أن تكون مع أصحاب الحق وأهل الأرض، أو أن تكون مع السارق والقاتل.

اختر ما تشاء من الوسائل لتكون مع أصحاب الحق، وتخير ما شئت من سبل لتقف فى وجه السارق والقاتل، لكن أن تقف على الحياد، فهذا يعنى أنك تحجز لنفسك مكانا فى أشد الأماكن حرارة فى جهنم، تلك التى قال عنها «دانتى» إنها محجوزة لأولئك الذين يقفون على الحياد فى أوقات الأزمات. فلسطين عربية من النهر إلى البحر، وعاصمتها القدس الشريف.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية