x

أيمن الجندي الكثير من الحب لهذا يعيش الناس! أيمن الجندي الإثنين 12-10-2015 21:03


كنت أشاهد أحد الأفلام التى تدور فى حقبة الأربعينيات، فإذا بى أشرد عن متابعة الفيلم وأفكر هكذا:

«ها هم الآن فى العشرينيات من أعمارهم. وبما أننا نتحدث عن الأربعينيات فهذا معناه أنهم ولدوا عام 1920 مثلا. فهل كانوا يعرفون وقتها أنه تاريخ سحيق كما ننظر نحن إليه، أم أنهم كانوا يشعرون أنه الزمن الجديد مثلما يشعر شبابنا الذى يناهز العشرين الآن؟».

شرعت أتأملهم فى فضول. ثيابهم بسيطة جدا. سروال منفوخ من الفخذين، بعكس سراويل هذه الأيام التى تلتصق بالفخذ وتشعر أنها قطعة من الجلد البشرى. أما القمصان فغالبا بيضاء بلا أى نقوش أخرى. لا أستطيع طبعا أن أصف ثياب النساء لأننى لا أفهمها. هذه القطع الغامضة التى يرطن بها الإناث فى بساطة، كالفيزون والبوليرو والكونفرس واللينجنج والكارديجان، والتى لو أنفقت عمرى كله ما استطعت فهمها.

كانت حياتهم بسيطة وهادئة لكنهم كانوا- بالتأكيد- بالنسبة لجيل آبائهم طائشين متهورين! ما زلت أذكر أحد الممثلين فى الثلاثينيات وهو يقول لأبيه فى فخر: «يا بابا إحنا أبناء القرن العشرين»!

وشرعت أفكر أيضا كيف كانوا ينفقون أيامهم؟ لم يكن فى حياتهم إنترنت ولا مواقع اتصال اجتماعى ولا قنوات فضائية ولا هواتف محمولة. كانوا يخرجون إلى المتنزهات لتسلية أنفسهم. وفى عيد الميلاد يخرجون وسط الثلوج المتساقطة مرتدين القلنسوات والمعاطف الثقيلة كى ينفخوا فى الأبواق جماعات ويعزفوا الموسيقى. سمر! طرب! طبيعة! طعام! نساء! هذه هى مفردات المتعة عندهم، والعجيب أنها المفردات نفسها للإنسان فى كل زمان ومكان وإن اختلفت الصور. وكانت لهم أيضا أحزانهم الصغيرة. البحث عن عمل وتفرق الأحبة وانشغال الأصدقاء وغيرها من منغصات الحياة. القدر المقدور على أبناء الفناء ولولاها لصارت حياتنا جنة.

كانت حياتهم بكرا- وليست كحياتنا العجوز- وإن كانوا لا يدركون ذلك! ومن يدرى؟! ربما كانت الحياة فى كل لحظة بكرا وعجوزا فى الوقت نفسه- بكرا للصغار الذين يستقبلون الحياة بالفرح، وعجوزا لمن أنهكتهم الحياة مثلى، واستنزفوا قدرتهم على الدهشة.

كنت أتابع الفيلم بنصف عين غير مهتم بأحداثه. كانت أفكارى كلها تجوب حول هؤلاء. لا ريب أن معظمهم ماتوا الآن. لكنهم ماتوا قبل الموت حينما غفلوا عن نعمة الحياة وانشغلوا بمجريات الحياة اليومية. الطعام! الأسرة الصغيرة! رعاية الأطفال وهم يكبرون! مشاكل العمل! وعندما مر العمر أفاقوا على أنهم كانوا يكبرون طيلة الوقت دون أن ينتبهوا! وشرعوا ينظرون- مثلما نفعل- إلى أيامهم القديمة، حينما كانوا فى العشرينيات، أنها كانت الروعة كلها. مع أنهم لم يفعلوا شيئا أكثر مما فعله غيرهم من البشر: يتسامرون! يتنزهون! يقعون فى الحب! ويتمتعون بالطرب.

لسنا متفردين كما نحب أن نقنع أنفسنا. توشك أن تكون الحياة البشرية وترا واحدا نعزف عليه ألحانا متكررة- ألحانا يرددها جيل بعد جيل، ولكن لا ينقص من روعتها أنها لم تكن يوما جديدة.

الرابطة الإنسانية التى تجمع بيننا، وتجعلنا نأنس لبعضنا البعض. إنها الحياة الدنيا التى تتزين لنا كى نحبها ونقول إنها جميلة.

فإذا مررت فى الجوار على مقربة من «روضة حضانة». وشاهدت هؤلاء الصغار فى عالمهم الخاص يوحون لك بالغفلة والهشاشة. فاعلم جيدا أن الغد لهم. يوما ما سوف يكبرون فيتقاربون ويتنافرون، ويقعون فى الحب والكره، ويخرجون إلى المتنزهات يتسامرون ويعزفون الموسيقى. بعدها سيكبرون، لهذا يعيش الناس، ولهذا يحتملون منغصات حياتنا المحيرة.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية