x

عبد اللطيف المناوي .. لكن آفة حارتنا النسيان عبد اللطيف المناوي الأحد 11-10-2015 21:20


مَن ينتمون إلى جيلنا يتذكرون أن «مدينة نصر» كان اسمها فى البداية «مدينة ناصر»، وأن استاد القاهرة كان اسمه «استاد ناصر»، لكن تغير الأمر مع الوقت، ولا تعرف الأجيال الجديدة عن الأسماء الأصلية شيئاً.

وبعد أن انتهى عصر عبدالناصر، وبدأ عصر السادات، كانت وسائل الإعلام فى معظمها عندما تتحدث فى ذكرى ثورة يوليو فإن أكثر ما تتوقف أمامه من تاريخ الثورة البيان الذى ألقاه السادات، إعلاناً عن حركة الجيش التى كانت أولى مراحل الثورة، كما أصبحت فيما بعد، وكانت تعتبره أهم ما حدث فى الثورة، متناسية ومتجاهلة ما عدا ذلك، لدرجة يبدو معها أن الثورة لم يحدث فيها سوى هذا البيان.

كما كان المشروع الأول فى ذلك الوقت الذى تتركز عليه كل الأضواء، وتهرول وراءه كل الكاميرات، وكل وسائل الإعلام، هو مشروع «جمعية الوفاء والأمل» الذى دشنته السيدة جيهان السادات، والذى خفتت عنه الأضواء بمجرد اغتيال الرئيس الراحل، بل غمره النسيان، وأصبح المشروع مهدداً بالانتهاء، وبأشياء أخرى، ليس إلا لأن صاحبته لم تعد فى السلطة.

وعندما انتهى عصر السادات وبدأ عصر مبارك، مارست وسائل الإعلام معه ما كانت تمارسه مع مَن سبقه، فحولت انتصار أكتوبر بكل ما بُذل فيه، وبكل الدماء الغالية التى سالت على أرض الوطن، وبكل الخطط التى وُضعت ونُفذت لتُخرج واحداً من أعظم الانتصارات والبطولات، تحول كل هذا إلى مجرد ظل للضربة الجوية الأولى التى قادها الرئيس الأسبق حسنى مبارك، ولا أقصد هنا التقليل من دور هذه الضربة، لكنى أتحدث عن تجاهل ما عداها، واختزال واختصار الحرب والنصر كله فى حدث واحد.

ولأنها دائرة تدور على الجميع، ولأنه درس لا يتعلمه أحد، فبمجرد انتهاء نظام مبارك، انتهى الحديث عن كل المشاريع التى كانت تتصدر عناوين الصحف الأولى كمشاريع قومية، مثل مشروع «مكتبة الأسرة» على سبيل المثال، الذى كثر الخلاف حوله بين مَن يريد أن يلغيه أو يقلصه لمجرد أنه كان تحت رعاية السيدة سوزان مبارك، وهو نفس ما حدث مع جمعيات الرعاية المتكاملة، التى كانت تقدم خدمات تعليمية وتثقيفية فى 14 فرعاً، تقلصت إلى 3 فروع، ليس لسبب إلا لأن مَن كان يشرف عليها لم يعد موجوداً فى السلطة.

ويمكننى هنا ذكر عشرات المشاريع المفيدة التى كانت موجودة فى العصور السابقة، والتى انتهت بمجرد خروج صاحبها أو راعيها من دائرة الضوء، ووقتها لا يلتفت أحد إلى دورها، ولا إلى الفائدة المجتمعية لها، فهناك مشاريع جديدة سيروجون لها.

ما ذكَّرنى بكل هذا هو ذكرى حرب أكتوبر التى مرت قبل أيام، والتى تابعت تغطية وسائل الإعلام لها عبر الفضائيات والصحف، ولم أجد أحداً- إلا القليل- يشير إلى أمرين اعتدنا أن نسمع عنهما كلاما كثيرا، حتى من أولئك الذين تناسوا هذه المرة دور سلاح الطيران الذى قام بالضربة الجوية الأولى، وقائده فى ذلك الوقت الرئيس الأسبق حسنى مبارك، والدور الذى لعبه فى الحرب، على الرغم من أن نفس هذه الأقلام ونفس وسائل الإعلام كانت تحصر الحرب كلها فى دوره من قبل.

أما محمد مرسى، صاحب التعبير عن «الستينيات وما أدراك ما الستينيات؟!»، فقد احتفل بالسادس من أكتوبر بطريقة غير الجميع، إذ قرر استبعاد الجيش من الصورة واحتفل باغتيال السادات فى أكتوبر، متجاهلاً الانتصار، وذلك عندما دعا قتلة السادات وحلفاءهم ليحتفلوا فى غياب أهل مصر الحقيقيين وجيشهم.

تاريخ الأمم لا يمحوه تجاهل نظام لنظام أو إسقاط مرحلة فى ظل مرحلة أخرى، ولكن قدر الأمم وتحضرها يرتبط بتلك المعايير التى من بينها إلى أى مدى هى تحترم تاريخها ولا تشوهه، حتى لو كان فيه ما يُعترض عليه.

نماذج عديدة لأمم ودول مرت بمراحل قد يعترض عليها أهل هذه الدول فى مرحلة تالية، ولكنهم أبدا لم يطمسوا التاريخ أو يتجاهلوه أو يهينوه. أريد هنا أن أُذَكِّر- كنموذج- بالإصلاحى الإنجليزى توماس كرومويل، أحد الأشخاص المهمين فى تاريخ إنجلترا، والذى أعدمه الملك هنرى الثامن، وعلق رأسه فى وستمنستر، لكن تمثاله مازال قائما لم يحطمه الملك ولا أعوانه، ومازال اسمه يحمله العديد من الشوارع المهمة والمؤسسات.

هذه مجرد تذكرة فقط بما حدث فى بلادنا فى سنوات قصيرة، لكن يبدو أن «آفة حارتنا النسيان»، كما قال نجيب محفوظ، أو «التناسى».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية