x

الأنبا إرميا «وطن إلى المنتهى!» الأنبا إرميا السبت 10-10-2015 21:22


أهنئ المِصريِّين بذكرى انتصارات أكتوبر العظيمة، وأخص بالتهنئة جميع رجال جيش «مِصر» الأبطال الذين قدَّموا ذواتهم لأجل الوطن، ومازالوا يقدمون.

تحدثنا فى المقالات السابقة عن الشهداء، وقدَّمنا شهداء باذلين أنفسهم من أجل إيمانهم، ومن أجل الحق، ومن أجل الوطن. ومع ما قدَّمه أبطال «مِصر» من جيشها العظيم، لا نجد سبيلًا إلا أن نتوقف عند مشاهد من تضحياتهم التى خُطت فى التاريخ بدمائهم، وأظهرت كرامة اعتقد العالم أنها فُقدت، وصنعت مستقبلـًا للسلام والبناء.

إن البطولات التى شهِدتها «مِصر»، بل العالم، فى جيشها، لجديرة بفخر كل مِصرى، وقوة تشُد من أزرنا جميعـًا للعمل والبناء من أجل هذا البلد العظيم. فمن منا يمكنه أن ينسى تلك الشخصيات العظيمة التى أحبت الوطن ـ حتى إن لم نعرِف أسماءها ـ وآمنت بحريته، واختارت التضحية بالنفس من أجله، ليعيش أبناء الوطن فى عزة وكرامة.

الفريق أول «عبدالمُنعم رياض»

أحد الشهداء فى حرب الاستنزاف، الذى وضعت مِصر يوم استشهاده، فى التاسع من مارس عام ١٩٦٩م، ذكرى وطنية لكل شهيد باسم «يوم الشهيد»؛ وذلك حين استُشهد بنيران العدُو فى أثناء مروره على قوات الجيش وتفقدها فى خطوط النيران الأمامية بشمال «الإسماعيلية»، فى اليوم الثانى من حرب الاستنزاف خلال متابعته نتائج قتال اليوم الأول.

إن الفريق «مُحمد عبدالمنعم مُحمد رياض عبد الله» هو رئيس أركان حرب القوات المسلحة المِصرية، وأحد أبطالها البارزين. وُلد «عبدالمنعم رياض» فى الثانى والعشرين من أكتوبر عام ١٩١٩م، فى قرية «سبرباى» بـ«طنطا» محافظة «الغربية». انتهى من دراسته فى «الكلية الحربية» عام ١٩٣٨م. ثم حصل على درجة «ماجستير فى العلوم العسكرية» عام ١٩٤٤م. اهتم بعدد من الدراسات، منها دراسته كمعلِّم لفنون المِدفعية المضادة للطائرات فى «إنجلترا». شارك فى «الحرب العالمية الثانية» ضد الألمان والإيطاليِّين خلال ١٩٤١م-١٩٤٢م، وفى «حرب فلسطين» عام ١٩٤٨م، وفى أثناء «العُدوان الثلاثى» عام ١٩٥٦م، وفى «حرب ١٩٦٧م»، و«حرب الاستنزاف».

وفى خلال «حرب الاستنزاف»، بدأ الفريق «عبدالمنعم رياض» فى إعادة بناء القوات المسلحة، ولم يتوانَ فى الإشراف بنفسه على الافتتاح لمرحلة «حرب الاستنزاف» فى الثامن من مارس ١٩٦٩م، ليبدأ قصفُ المِدفعية المِصرية على مواقع العدُو وتحصينات «خط بارليف»، فى واحد من أعنف الاشتباكات المِصرية الإسرائيلية التى استمرت قرابة خمس ساعات، انطلقت فيها النيران المِصرية بضراوة فدمرت جزءًا من مواقع «خط بارليف»، ليُكبِّد العدُوُّ خسائر كثيرة.

وفى اليوم التالى، التاسع من مارس، قرر الفريق «عبدالمنعم رياض» التوجه إلى الجبهة لمتابعة نتائج المعركة، ومشاركة جنوده وتعضيدهم فى المواجهات مع العدو. وقد أبدى قائد الجيش آنذاك تخوفه وعدم ارتياحه من زيارة الفريق «عبدالمنعم رياض» لوِحْدات المشاة الواقعة على خط النار مباشرة فى مواجهة العدُو، ولكن الفريق «رياض» أصر على الوجود وسْط جنوده، مشددًا إياهم، غير عابئ بالنيران، بادئـًا بنفسه فى قُدوة لهم، محققـًا كلمته التى كثيرًا ما كان يرددها: «كُن قُدوة صادقة لجنودك»؛ كذلك كان يُولى جنوده اهتمامـًا كبيرًا قائلًا: «اهتم بشُؤون جنودك ومشاعرهم». وفى ذلك اليوم، زار الفريق «رياض» الموقع رقْم ٦ وهو أول المواقع التى انطلقت منها النيران على العدُو. وبينما هو يتابع سير العمليات ونتائجها وسط جنوده، إذ تنهال نيران العدُو على تلك المنطقة! لتبدأ معركة شرسة ضد العدُو دامت أكثر من ساعة قادها الفريق «رياض»، إلى أن انفجرت إحدى طلقات المِدفعية الصادرة من العدُو على مقربة منه، ليُستشهد فى سبيل «مِصر».

ولم ينسَ الشعب ذلك البطل العظيم الذى أدى دورًا خالدًا لأجل «مِصر»، فخرج بجميع طوائفه فى وداعه، مشيعـًا جثمانه بإجلال واحترام ممزوجين بالحزن العميق. ثم اختير ذلك اليوم ليكون رمزًا للاستشهاد من أجل الوطن فكان «يوم الشهيد»؛ لنتذكر جميعـًا شهداء «مِصر» الذين أحبوها ولم يبخلوا عليها بأرواحهم.

الرقيب «مُحمد فوزى ناجى سالم البرقوقى».

قامت القوات المِصرية بعمل ثلاث عمليات عسكرية بحْرية، هى من أكبر العمليات البطولية للقوات البحْرية فى أثناء حرب الاستنزاف، التى نفذتها الضفادع البشرية المِصرية لتدمير الناقلة البحرية «بيت شيفع» الحاملة سَبْع مدرعات برمائية، وناقلة الجنود «بات يام»، اللتين كانت تستخدمهما «إسرائيل» لشن العمليات على السواحل الشرقية لـ«مِصر» ومنها ضرب منطقة «الزعفرانة». ومع توفير الحماية الجوية الإسرائيلية للناقلتين، كانت الهجمات تُشن على المناطق العسكرية المِصرية، حيث تؤسر الرهائن المِصرية ويُستولى على المعَدات. وكانت العمليات الثلاث فى: ١٦ نوفمبر ١٩٦٩م، و٥-٦ فبراير١٩٧٠م، و١٤-١٥ مايو ١٩٧٠م؛ واشترك الرقيب «البرقوقى» فى أولى تلك العمليات، فكان شهيدها الوحيد.

وُلد «البرقوقى» فى عام ١٩٤١م، فى قرية «منية جناج» مركز «دسوق» محافظة «كفر الشيخ». عُرف «البرقوقى» بشجاعته المتناهية، ومحبته للوطن، فاختير للالتحاق بالصاعقة البحْرية، فرع الضفادع البشرية. ولم تكُن مُهمته الوحيدة فى أثناء «حرب الاستنزاف» هى ضرب «ميناء إيلات»، ولكنه اشترك فى أكثر من عملية خاصة.

فى السادس عشَر من نوفمبر بدأت العملية واتجهت ثلاث مجموعات من الضفادع البشرية إلى ميناء «إيلات» إلا أنها لم تتمكن من الدخول للميناء، لذا، فقد جرى تلغيم سفينتين إسرائيليتين هما: «هيدروما» و«دهاليا»، اللتين كانتا تشاركان فى المجهود الحربىّ الإسرائيلى فى «ميناء إيلات».

بدأ «البرقوقى» فى الغطس على مسافة ١٥٠ مترًا، وتثبيت الألغام فى السفينة الإسرائيلية. إلا أن بعد مغادرة الهدف بقرابة ٥ أمتار، أشار الرقيب «البرقوقى» إلى الملازم أول «نبيل عبدالوهاب» بالصعود إلى سطح الماء، الذى فور صعوده تبين له أن الرقيب «البرقوقى» كان قد مات! وأصر الملازم «نبيل عبدالوهاب»، فى شجاعة متناهية، على أن يعود بالرقيب «البرقوقى» إلى الشاطئ الأردنى ليسلِّم الجثمان الذى نُقل إلى «مِصر». لقد استُشهد «البرقوقى» بعد نجاح باهر فى أداء مهمته يوم السادس عشَر من نوفمبر عام ١٩٦٩م، وكان ما يزال فى رَيْعان شبابه، إذ لم يكُن قد تخطى الثامنة والعشرين بعد، ضاربـًا المثل فى محبة الوطن إلى المنتهى.

أهل «سيناء»

وعن حرب الاستنزاف، لا يمكننا أن ننسى دور أهل «سيناء» الأبطال. فكما ذكر السيد اللُّواء «فؤاد نصار»، رئيس المخابرات الحربية فى «حرب أكتوبر» المجيدة: «أهل سيناء ليسوا خونة: لولاهم ما عادت الأرض، ولا عادت الكرامة، ومن أجلهم جعلنا نَوط الشجاعة «نَجمة سيناء».

وفى إحدى الدراسات عن دور أهل «سيناء»، ذُكر أنهم قاموا بجُهود عظيمة ومشرفة ووطنية تجاه «مِصر»: فقد شاركوا الرجل والمرأة والطفل فى «سيناء» بدور عظيم؛ فمنهم من قام بتوصيل الجنود المتقهقرين إلى غرب القناة، ومنهم من أطعم الجنود وأسعفهم، بل من قام بتوصيل المعَدات العسكرية الخفيفة إلى الفدائيِّين وساعدهم على إخفائها. ولم يتوقف دور أهل «سيناء» عند هذا الحد، بل هناك من شارك فى قطع الإمدادات عن العدو، وتفجير معَداته العسكرية. لقد تعرض بعض أهل سيناء الوطنيِّين الأبطال لأنواع من التعذيب، ومنهم الشيخ «مُحمد فريج» الذى عمِل فى نقطة حرس الحدود بوسَط «نويبع»، ورفض تسليم عهدة النقطة للعدُو، وهى إحدى عشرة بندقية آلية وذخائر مع أجهزة لاسلكية.

إن كل تلك البطولات قد مهدت الطريق لنصر أكتوبر العظيم لتبدأ فيه وتتجلى سلسلة أخرى من قِصص البطولات وحب الوطن.

اللواء أركان حرب «شفيق مترى سدراك»

قائد «كتيبة المشاة» فى منطقة من «سيناء»، وأحد أبطال «مِصر» وشهدائها فى «حرب أكتوبر». وُلد «شفيق مترى سدراك» فى عام ١٩٢١م، فى قرية «المطيعة» بمحافظة «أسيوط». التحق بالكلية الحربية، وأظهر نبوغـًا شديدًا، حتى إنه عُين ضمن هيئة التدريس ليدرِّس مادة «التكتيك وفن القتال»، و... وما يزال الحديث عن أبطال أكتوبر، وعن «مصر الحلوة»، حديثـًا لا ينتهى...!

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية