x

عبد المنعم سعيد حتى لا يكون هناك انكماش اقتصادى! عبد المنعم سعيد السبت 10-10-2015 21:21


اعتدت التحذير من الوصول إلى إخفاق آخر على طريق النهضة المصرية التى لم تحدث على مدى قرنين من الزمان أو أكثر بعقد إضافى منذ عام ١٨٠٥. الآن تواضعت الأهداف، وبات المطلوب فقط أن نمنع انكماشاً اقتصادياً من الحدوث، لكى يشكل نكسة فى مسيرة الانتعاش الاقتصادى التى بدأت بشائرها فى العام المالى ٢٠١٤/٢٠١٥. خبراء الاقتصاد يقولون لنا إن الاقتصاد آخذ فى الانكماش بعد أن بدأ فى التوسع، والرفقاء بنا يقولون إننا على أبواب انكماش صغير أو حسب تعبيراتهم الذائعة Mini Recession. المؤشرات واضحة فى تراجع البورصة المصرية منذ مطلع العام حتى الآن، وفى التراجع الحاد فى الصادرات المصرية، وتباطؤ النمو فى السياحة، وانكماش الاحتياطى النقدى حتى اقترب من ١٦ مليار دولار، وكذلك معدلات النمو التى وصلت فى العام الماضى إلى 4.2% وكان الأمل أن نأخذ بيدها لتصل إلى ٥٪ أو ما هو أكثر، ولكن إذا بقيت الأمور على ما سارت عليه فإن مثل هذه الطموحات لن تتحقق وربما تتراجع.

هناك أسباب إضافية أيضا للتشاؤم، فما تحقق حتى الآن من إنجازات كان راجعاً جزئياً على الأقل إلى العون العربى الذى وصل إلى ٣٠ مليار دولار خلال العامين السابقين، وما لا يقل أهمية عنه تحويلات العاملين المصريين فى الخارج التى بلغت قرابة ٦٠ مليار دولار خلال الأعوام الثلاثة السابقة. دول الخليج العربية مندرجة الآن فى حربين إحداهما فى سوريا والعراق، والأخرى فى اليمن، وتكلفة الحرب مرتفعة، وهى تجرى فى وقت انخفضت فيه أسعار النفط بشكل حاد، بينما ظلت امتيازات المواطنين على حالها. مثل ذلك سوف يؤثر على تحويلات العاملين المصريين ليس فقط بسبب انخفاض الدخول وإنما أيضا لأن تجربتهم مع الاستثمار فى مصر، مع استثناء التجربة المبهرة فى قناة السويس الجديدة، لم تكن مبشرة، وتظهر فى كثير من الأحوال مماثلة لتلك التى جرت فى «أرض الوطن» حيث ظهرت الدولة بمظهر الدولة الساعية للجباية بأكثر من كونها ساعية إلى الاستثمار. أضف إلى ذلك الزيادة السكانية المستمرة، ومستويات البطالة والتضخم المرتفعة، وسوف تجد صورة منذرة للغاية!

كل ذلك كان ممكناً التعامل معه والحفاظ على قوة اندفاع الاقتصاد كله إذا ما نجحنا فى الإبقاء على معدلات استثمار مرتفعة. ولكن ذلك لا يبدو واقعاً طالما أحوالنا الاستثمارية تسير على ما هى عليه، فهى تعتمد على المشروعات القومية الكبرى، التى تقوم بها إما القوات المسلحة أو الشركات الأجنبية أو كلاهما معا. وفى الحالتين فإنه على الدولة أن تقوم بالتمويل والدفع مما يسبب عجزا مزمنا فى الموازنة العامة، أو زيادة الدين الخارجى الذى كان فى طريقه للتراجع. ومن ناحية أخرى فإن الاستثمارات الخاصة الخارجية والداخلية أخذت فى التقلص. الأولى بسبب أن السياسة المالية والنقدية متخلفة بشكل كبير عن الواقع الجارى فى العالم، فضلا عن اليقين فيما يتعلق باستقرار السياسات الخاصة بتحويل الأرباح، وسعر العملة المصرية الذى لم يعد صالحاً لجذب استثمارات من أى نوع. أما الثانية فيكفى ما عبر عنه المهندس نجيب ساويرس عندما ذكر مؤخرا أنه لم يستثمر دولارا واحدا من ٥٠٠ مليون دولار وعد باستثمارها فى المؤتمر الاقتصادى لأن مناخ الاستثمار فى البلاد غير ملائم. والحقيقة هى أنه إذا كان العمال والموظفون يتوقفون عن العمل عندما ينزعون للإضراب، فإن المستثمرين يعبرون عن إضرابهم بالتوقف عن الاستثمار. ما يحدث فى مصر ولأسباب متعددة أن هناك حالة إضراب للرأسماليين المصريين.

ما نحتاجه لا يزيد على أمرين: أولهما أنه لا يمكن الالتفاف على قوانين الاقتصاد السرمدية، فكما أنه لا يمكن التغلب على قوانين العرض والطلب، فإنه لا يمكن التعامل مع عملة لا تعبر عن سعرها الحقيقى فى السوق. العملة هى مخزن القيمة، وهى المعبر عن قيم السلع والبضائع والخدمات والعمل، وبدون ذلك فإننا نخلق سوقاً شائهة فيها أسواق سوداء، ومناخاً جاهزاً للفساد، ولا تصير فيه طريقة للعمل إلا اعتماداً على قراءة الفنجان أو الكف أو أوراق اللعب أو تفسير الأحلام. لقد جربت البلدان الاشتراكية ذلك فكانت النتيجة انهيارها، وجربنا نحن ذلك خلال الستينيات فكانت بداية إخفاق مدوٍ آخر فى سلسلة إخفاقاتنا المتتالية. هل نريد التجربة مرة أخرى بالتلاعب بالأجور، والسوق، والعملة وغيرها؟ الإجابة: لا أظن أن الحكمة غائبة إلى هذا الحد، ولابد أن قدراً من العلم بدأ يطرق أبوابنا. وثانيهما أن الشفافية مطلوبة فيما يتعلق بالمشروعات القومية، ولا شك أن ما قاله الرئيس السيسى فى ذكرى حرب أكتوبر أن مشروعاتنا خلفها دراسات بالغة الدقة كان مطمئناً للقلوب، ولكن هذه الدراسات لها وظيفة أخرى، وهى أنها تفتح الأبواب للاستثمارات الداخلية والخارجية. إذا كنا قد تعلمنا شيئاً من التجربة فهى أن الشعب يريد المشاركة بالعمل، والمال أيضا.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية