فى إطار المواجهة بين يسرى فودة وريهام سعيد على خلفية استيائه من التغطية الإعلامية لمأساة إخواننا السوريين فرج الله كربتهم، كتب لها فودة هذه التدوينة:
«ما فهمته حتى الآن أنه لا مندوحة للإحداثيات الأخلاقية عن ارتباطها طرديًّا فى نظر البعض ببوصلة ما تراه السلطوية واجبًا وطنيًا، ومن ثم تنشط آليات الدفاع عن الذات عبر الإعلاء والتبرير كى تحاول رأب الصدع الناشئ عن الصراع الحتمى بين دواخل الإنسان (القيم) وخوارجه (السلوك). تزيد حدة هذه الظاهرة كلما اقتربت من حواف المستنقع. واضح؟». انتهى كلام يسرى فودة.
ما أود قوله يتلخص فى النقاط التالية:
أولا: من ناحية الشكل لا مندوحة من القول إن هذا الأسلوب يصعب وصفه بالبلاغة. فالبلاغة تكون بالإيجاز والكثافة وحسن التنسيق واستخدام الصور الجمالية. أما العبارات المعقدة، رغم إمكانية صياغتها بشكل أسهل فلا يمكن أن تُوصف بالبليغة أبدا. وأغلب الظن أن يسرى فودة كان يمزح.
ثانيا: من ناحية المضمون يريد يسرى فودة أن يقول التالى: الأخلاق داخلنا دائما ما تخشى السلطة وتضطر أن تذعن لها. لكن النفس بحاجة أيضا إلى أن ترى ذاتها بصورة إيجابية. وبالتالى فإنها تستخدم آليات الدفاع عن النفس بطريقة غير واعية لكى تحتفظ بالتوازن. مثل الإنكار والإزاحة والإعلاء وادعاء الوطنية.
ثالثا: كمبدأ عام فإن ما كتبه يسرى فودة صحيح. ولكن هل أنت مقتنع يا أستاذ يسرى بأن هؤلاء الذين تقصدهم يعانون أى صراع بين المبدأ والسلطة؟ أم أنهم سعداء بالمال والشهرة؟ هل تعتقد فعلا أن هؤلاء بحاجة إلى آليات الدفاع النفسى كالإنكار والإعلاء والإزاحة؟ شخصيا أرى أن هؤلاء لا يوجد أى تناقض داخلهم ولا يعانون من أى صراع نفسى. هم منسجمون مع ذواتهم تماما. ويرون أن الحسن هو ما تراه السلطة حسنا، والقبيح ما تراه السلطة قبيحا.
رابعا: ولعل الحديث عن آليات الدفاع النفسى كالتبرير وخلافه ينطبق- أول من ينطبق- على شخصيات نعرفها جميعا ولا داعى لذكر أسمائها. هؤلاء الوطنيون الصادقون الذين عارضوا مبارك. ثم قاوموا حكم الإخوان بكل قوة وصرامة. وأيّدوا ثلاثين يونيو واستبشروا بمساره. لكن- وأسفاه- بعد أن تبددت الوعود الحالمة وظهر الوجه الصارم للنظام الحالى وضُيّقت الحريات وزُجّ بالمتظاهرين فى السجون، وتسربت تلميحات تشى بالضيق من صلاحيات البرلمان، فإن كل هذه الأمور المقلقة لم تجعلهم يراجعون أنفسهم ويواجهون النظام بمخاوفهم، بمثل مواقفهم المبدئية مع نظامى مبارك والإخوان. ربما لأن قبضة السلطة أثقل، والاعتراف بالخطأ أصعب، والمواجهة أكثر كلفة!
هنا بدأت تعمل آليات الدفاع النفسى بالإنكار والتبرير والإزاحة. فأصبح كل معارض خائنا! وكل من يتروى عميلا! وكل من يدعو إلى تخفيف قبضة الدولة عدوا للجيش!
وهكذا عملت آليات الدفاع النفسى ببراعة فصوروا لأنفسهم أن تضييق الحريات ضرورة وأن صمتهم على ذلك وطنية.