احتلت إسرائيل القدس فى حرب يونيو 1967، وصار المسجد الأقصى – عملياً – تحت السيطرة الإسرائيلية، وقتها كان العالم العربى يعيش الهزيمة والضعف، وكانت الروح المعنوية منخفضة، ومع ذلك لم تتمكن إسرائيل من العبث بالمسجد العتيق، ولا امتهن أى من مسؤوليها حرمته، كانت القضية الفلسطينية ساخنة فى الوجدان العربى، وكان الكل يرقب الأقصى وما يمكن أن يحدث له، فضلاً عن أنه كانت هناك فى إسرائيل حكومة حزب العمل، الآن تغير كل شىء.
فى الداخل الفلسطينى، نرى الانشقاق الحاد، ثم التفاوض الخفى من حماس مع إسرائيل على هدنة دائمة، وفى هذه الألاعيب السياسية ليس للأقصى أولوية وربما لم يكن مطروحاً فى عملية التفاوض، عندهم انحصرت القضية فى غزة فقط.
وأخذت حماس جزءاً من الوعى العربى خلفها فى هذا التضييق والتحجيم للقضية الفلسطينية، وبدلاً من أن تسعى حماس إلى تحرير فلسطين، سعت إلى احتلال جزء من سيناء لتقيم عليه غزة الكبرى، وجعلت معركتها الأولى مع مصر والمصريين.
خارج فلسطين، نجح الإرهابيون، بمختلف تنظيماتهم ومسمياتهم، فى أن يشعلوا النار فى معظم البلدان العربية، كان الشعب السورى مدداً حقيقياً للقضية الفلسطينية، فشرده الدواعش، وصارت القضية السورية هى المسيطرة على الجميع، ليس فى منطقتنا فقط، بل داخل أوروبا أيضاً، وفى العراق لعبت الطائفية والمذهبية دورها فى إثارة ما يشبه الحرب الأهلية، التى توجت بظهور الدواعش وسيطرتهم على أكثر من ثلث العراق، والصورة فى اليمن وفى ليبيا كما نراها، الواقع أن التيارات المتأسلمة قدمت لإسرائيل فرصة لم تحصل عليها حتى بحرب 1967، وكان أن راحت الأخيرة تعيث فى المسجد الأقصى، وتحته وحوله، غير عابئة برمزيته الإسلامية، وكونه تراثاً حضارياً وأثراً إنسانياً عاماً لا يجوز المساس به، يضاف إلى ذلك أن تيارات التطرف والتشدد ترتفع داخل إسرائيل، وأصوات تيارات السلام تتراجع وتضعف أمامها، أما الدول الكبرى فهى مشغولة بأزمة أوكرانيا مع روسيا وبالدور الروسى المتصاعد، وكذلك القوة الصينية التى توشك أن تصبح بعد خمس سنوات الأقوى اقتصادياً على مستوى العالم.
المسجد الأقصى ومدينة القدس، هى قدس الأقداس بالنسبة للقضية الفلسطينية، وهى بند شديد الأهمية فى جدول عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، هى أيضاً الرابط الأعظم للكثير من المسلمين فى العالم بالقضية الفلسطينية.
وما تقوم به إسرائيل، الآن، هو من الناحية العملية تصفية تامة لهذا البند، بكل متعلقاته؛ ترى إسرائيل أن قضية فلسطين وإقامة دولتها على الأراضى المحتلة فى يونيو 1967 تحرز نجاحاً وتقدماً فى المحافل الدولية، علم فلسطين رُفعَ فى الأمم المتحدة، والاعتراف بها فى ازدياد داخل أوروبا.
ولن تتمكن الولايات المتحدة من إنكار الدولة الفلسطينية وعدم الاعتراف بها لفترة طويلة.
وتعلم إسرائيل جيداً أن أى احتلال مهما طال إلى زوال، وأى وضع ظالم للشعوب ليس أبدياً، فرنسا احتلت الجزائر 132 عاماً وفى النهاية رحلت واعترفت باستقلال الجزائر، التفرقة العنصرية فى جنوب أفريقيا سقطت فى النهاية.
وإذا كان الحال كذلك، لابد أن تجلو إسرائيل عن الأراضى المحتلة وتعترف بالدولة الفلسطينية، وأظن أن هذا اليوم ليس ببعيد.
والواقع أمامنا أن إسرائيل تريد استباق هذه اللحظة وتصفية الرموز المعنوية للقضية، وفى المقدمة منها المسجد الأقصى، يساعدها فى تحقيق رغبتها، الحال المتردى الذى وضع الإرهابيون والمتشددون بلادنا العربية فيه، فضلاً عن الانشقاق فى الساحة الفلسطينية والإصرار عليه، ونعرف جميعاً من خلق هذا الانشقاق ويصر على إبقائه والنفخ فيه.
إنقاذ الأقصى يتطلب الضغط كى توقف إسرائيل إجراءاتها العدوانية والضغط لإحياء عملية السلام وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، ونقطة البداية فى ذلك كله إنهاء الانشقاق الفلسطينى وأن تنتصر بلاد المنطقة على الإرهاب والإرهابيين.
المسجد الأقصى ضحية التطرف داخل إسرائيل والتطرف داخل مجتمعاتنا.