في الـ 28 من سبتمبر 2000 إستيقظنا على خبر دخول «شارون» إلى ساحة المسجد الأقصى محاطا بجنود مدججين بالأسلحة مما استفز جموع المصلين بداخل المسجد وحاولوا التصدي له ولجنوده فأطلق الجنود النيران بشكل عشوائي لتفريق المصلين فاستشهد 7 منهم مما أدى إلى إندلاع المواجهات التي إمتدت لتغطي جميع أنحاء فلسطين المحتلة.
قليلون هم الذين أدركوا وقتها رمزية دخول «شارون» إلى المسجد الأقصى, وأنه كان تعبيرا عن رغبة الصهاينة في هدم المسجد الأقصى ليبنوا مكانه هيكلهم المزعوم, وقرأ الكثير من الشباب وساهموا عن جهل في الترويج لما كان يتم نشره في بعض المواقع المتاحة حينذاك حول أن المسجد الأقصى ليس القبة الذهبية المشهورة باسم قبة الصخرة ولكنه المسجد ذا القبة الرمادية المعروف بإسم الجامع القبلي, إلى أن اتضح مع ظهور مواقع اخرى فلسطينية أن الصهاينة هم الذين يروجون لذلك كي يضللوا المسلمين ويشوهوا معلوماتهم حول الأرض المقدسة.
فالحقيقة هي أن المسجد الأقصى يتضمن كل المنطقة المحاطة بسور على أعلى نقطة بهضبة «موريا» بالقدس، وهي المساحة التي يطلق البعض عليها تسمية "الحرم الشريف", وتتضمن تلك المنطقة قبة الصخرة والجامع القبلي والساحات التي حولهما وكل ماتتضمنه الساحات من مساجد صغيرة ومصليات أخرى كالمصلى المرواني ومسجد البراق والأقصى القديم الموجود تحت الجامع القبلي.
والحقيقة الأخرى الهامة هي أن الإسرائيليين يؤمنون بأن «هيكل سليمان» كان مقاما في مكان قبة الصخرة حاليا, وأن دولتهم المبنية على أساس ديني لا تكتمل إلا بإعادة بناء الهيكل مرة أخرى.
في ثالث أيام «إنتفاضة الأقصى» شاهد العالم صور إستشهاد الطفل «محمد الدرة» أثناء إحتماءه ووالده في حاجز أسمنتي هربا من رصاص قوات الإحتلال الإسرائيلي دون جدوى وتم قتل الطفل في حضن أبيه.
خرجت المظاهرات الغاضبة في شتى أنحاء المعمورة إحتجاجا على مقتل الطفل الأعزل. 15 عاما بعد ذلك التاريخ ولايزال الأطفال يُقتلون وأباءهم لا حول لهم ولا قوة.
ماذا تغير في تلك المدة منذ إندلاع إنتفاضة الأقصى حتى يومنا هذا؟ في الأغلب ردة فعلنا نحن على الأحداث والإعتداءات على المسجد الأقصى التي لا تزال تحدث بشكل شبه يومي, لكنها تحولت مع الوقت إلى مجرد فقرة منزوية في نشرة أخبار تليفزيونية قد نشاهدها أو نكون قد غيرنا المحطة, أما الجانب الإسرائيلي فلم يتغير شئ من خطواته في سبيل تحقيق معتقداته, فقد ظل يعمل على قدم وساق ليصل إلى مبتغاه النهائي: هدم المسجد الأقصى من أجل بناء الهيكل اليهودي.
في الخمسة عشر عاما الأخيرة لم تزد فقط حدة الإعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى فوق الأرض, ولكن تحت الأرض أيضا, فبجانب بناء كوبري «للمشاه» يسمح بمرور دبابات وجرافات في حالة وجود إجتياح شامل إلى داخل المسجد الأقصى, حفر الإسرائيليون سلسلة من الأنفاق المتصلة ببعضها البعض أسفل المسجد الأقصى وتصل تلك الأنفاق إلى المستوطنات الإسرائيلية القريبة كي تعطي ممرا آمنا لعبور الزوار في المعتاد والجنود في حالة إن لزم الأمر.
كما تنظم إسرائيل عروضا للصوت والضوء عن تاريخ هيكلهم المزعوم يعرضونها في الأنفاق تحت المسجد الأقصى لتصحب الزائر أثناء تجوله هناك, كما أقاموا في أحد تلك الأنفاق كنيسا يهوديا في أقرب نقطة تحت قبة الصخرة والتي تعتبر قدس الأقداس في الهيكل المزعوم.
وبجانب هذا بدأت الحكومة الإسرائيلية في تضييق الخناق على المقدسيين لتخرجهم من المدينة في محاولة لزيادة عدد السكان من الإسرائيلين كي يتفوقوا عدديا على الأغلبية العربية التي تسكن القدس.
وبشكل يومي يمُنع ويُبعد الرجال المقدسيين من دخول المسجد الأقصى بسبب أنهم يرابطون بالداخل, فنظمت المقدسيات وقفات وحلقات للعلم ليحلوا مكان الرجال المبعدين, فأعلنت قوات الإحتلال أن المقدسيات اللاتي يدخلن المسجد الأقصى ويكبروا في وجه الزوار اليهود يُعتبروا جماعة إرهابية ويتم القبض عليهن بناء على ذلك, كما تم مؤخرا إصدار قانون يجرم إلقاء الحجارة ضد قوات الإحتلال والمستوطنين الإسرائيليين, والعقوبة: 5 سنوات من السجن المشدد.
الإعتداءات الأخيرة على المسجد الأقصى والأضرار التي حلت به تعتبر الأكبر منذ حريق المسجد الأقصى قبل 46 عاما فأين هو الرد العربي العملي ضد إسرائيل.
في خمسة عشر عاما تغير حال القدس كثيرا, ولكن الشئ الوحيد الذي لم يتغير هو توجه الحيازة الإسرائيلية على المكان باتجاه تغيير التاريخ, أما نحن فخارج التاريخ.