x

رامي جلال أطفال الشوارع على الهواء مباشرة رامي جلال الثلاثاء 29-09-2015 21:48


لو تخيلنا معاً وجود مجموعتين من البشر متماثلتين عددياً وعمرياً، الأولى تتكون من أطفال شوارع هائمين طوال اليوم على وجوههم. والمجموعة الثانية تتألف من أطفال بمدرسة أجنبية. لكل مجموعة قدراتها واحتياجاتها وتطلعاتها وأساليبها. واضح أن المجموعة الأولى خطر والثانية فرصة، الأولى عشوائية لكن الثانية ذات تنظيم عالِ (مكان محدد، مناهج معينة، طرق تدريس واضحة، مدرسين معروفين، رجع صدى مُسجل، أرشيف موجود). فمن من المجموعتين يمكن ضبط أدائها بطريقة أسهل، مع ضمان ارتفاع مستواها فى التفاعل المجتمعى؟ الإجابة بسيطة.

الإعلام المصرى متروك الآن لمجموعة من الهواة يعيثون فساداً على الهواء مباشرة، يزيفون وعى الناس وسط عدم اعتراض صانع القرار الذى لا يتفهم أن الممارسات الإعلامية الحادة التى تميل إلى الانحياز الكامل- حتى لو كان انحيازاً للسلطة- هى ممارسات تُقصر عمر أى نظام وليس العكس. لا يجب على الدولة أن تفرح وتشجع هذه الأنماط اللامهنية، لأن ضمانة بقاء أى نظام ليس الصوت الواحد بل التنوع؛ فالاصطفاف الوطنى الإعلامى المزعوم ومبدأ «كلنا إيد واحدة يا بهجت» لا يمكن أن يُسفر عن أى شىء جيد. وعلى الدولة العمل على تنظيم الإعلام بحيث ينحو الصناع والمقدمون إلى إحداث التوازن بين جميع الآراء والكف عن الانحياز الأعمى (بالنسبة للإعلام الخاص يمكنه الانحياز كما يشاء مع الإعلان الكامل والصريح عن التوجه والانتماء، وليس خداع الجمهور). إن لم يُنظم الإعلام نفسه فعلى الدولة تشجيع ظهور أنماط انحيازية أخرى ولو ضدها (عادى جداً) ليتوازن المشهد بشكل عام، هذا صحى وليس مضراً.

من المؤكد أن الدولة عندها رغبة فى تغيير الإعلام، لكن لا أظن أن هناك إرادة لذلك أو رؤية لتحقيقه. المشكلة أن معيار التغيير الإيجابى لدى الدولة هو أن يناصر الإعلام توجهها طوال الوقت- ونحن لا ننكر المنطلقات الوطنية للدولة- ولكن يبدو أن وسائل الدولة لتحقيق هذا المسعى هى السيطرة والتحكم وليس التنظيم والإصلاح، وفكرة السيطرة انتهى زمنها ومنطقها بوجود تطور تكنولوجى لم يعد يسمح لأحد بالسيطرة المُطلقة على الوسائل الإعلامية بأنواعها المختلفة.

المنطق الصحيح يقتدى أن يكون معيار النجاح الإعلامى هو سيره على طريق من معايير ومحددات مهنية ليكون منبراً لكل الآراء، مما يسمح بإعلاء قيم الموضوعية، بما يرفع من وعى الجمهور وذائقته، بعد ذلك ستكون الحقيقة مطلباً واحتياجاً لهذا الجمهور، وقتها لن تعيش الوسائل الإعلامية التى تصنع اللامنطق.

Show original message

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية