x

جمال الجمل عطفة غروب الروح جمال الجمل الأحد 20-09-2015 07:34


ليه بيداري كده؟

تتراقص المغنية المراهقة في مشاهد مبتذلة، وهي تردد الآهات والحركات الجنسية مع كلمات سطحية عن الحب والهجر:

آهين ياناري

بقالي ليالي/ بنادي حبيبي ما جالي

لا ريحلي بالي/ ولا داري باللي جرالي

وانا اعمل ايه في اللي بحبه يا ويلي يا ناري

وانا شايفه صورته قصاد عيني يابا طول ليلي ونهاري

وانا مالي يابا هه

طب ليه بيداري كدا/ ولاهو داري كدا؟

ليه يحيرني؟/ وليه بيهجرني؟/ ولا آجيش على باله كدا

...............

هل تصدق أن هذا الابتذال يخفي معنى أعمق يتعلق بالوطن؟

هل تصدق أن هناك قصة موجعة وراء هذه الأغنية التي هاجمها كثيرون، واتهموها بالتفاهة والسطحية؟

لا أظن أن أحدا يصدق شيئا من هذا، خاصة لو كانت المغنية هي روبي، التي لمعت فجأة وانطفأت فجأة، وسط حالة عجيبة من جرأة التفاهة والارتكاز على قوة الأنوثة كموضوع جنسي بحت.

لكن ماذا عن الشاعر الذي كتب مثل هذه الكلمات؟

تقول المعلومات أن اسمه كان «عبدالعزيز عمار».. شاعر شاب، جاء من قرية فقيرة في كفر الشيخ باحثا عن مكان يتسع لطموحه الشعري في القاهرة «القاهرة».

كتب الكثير من القصائد الرائعة، وتغنى في معظمها بالوطن وحب البلاد

فقال:

البحر فارد ع الشطوط/ والقلب شارد من مداه

كل المراكب سلمت/ لشراع يعديها بهواه

وانت الوحيدة بتعندي/ طالبة التفرد في الحياة»

ربما كان يقصد مصر الأبية، وربما كان يقصد حبيبة عصية لوعته بكبريائها وشروطها الصعبة، لكن الوطن يبدو صريحا عنيدا في قصيدة أخرى، تكشف لنا عن الوجع المخيف الذي سكن روح الشاعر جراء عصيان الوطن وفسوته عليه، حيث قال:

«حبيني مرة يا بلد/ خللي الحياة النايمة فيا تتولد

صبيني كاسك واشربي/ تتعلمي معنى الجلد

مشيني تاتا/ ياللا نمشي

واحكيلي حدوتة/ ما انامشي

وارقيني بايدك م العساكر/ ابقى من عينهم ما اخافش

حبيني مرة يابلد

...........

صدقي بالله باريدك/ باللي خانك/ أو شهيدك

واصحى م النجمة/ اضفر في جدايلك/ من شمالك لصعيدك

حبيني مرة يابلد ...»

عانى عبدالعزيز الفقر والرفض في شوارع العاصمة، وظل منبوذا، حتى ساعده صديق طفولته الملحن محمد رحيم على دخول الوسط الغنائي، وبدا السوق متعارضا مع تصورات الشاعر عن قصيدته، فبدا يكتب كلاما يليق بسوق الغناء، وعرف طعم المال والشهرة، وصارت له جدران تأويه ليلا وتوحي له بالاستقرار، لكنه اكتشف فجأة إصابته بفيروس سي، وأن الكبد في حالة متدهورة، انعزل لفترة، ووصلت الدراما ذروتها فكتب عبدالعزيز قصيدته الحزينة الغاضبة «عطفة غروب الروح»، وأترككم معها بلا أي تعليق غير الألم والدعوة للتأمل في علاقة الوطن بفقرائه المعذبين أحياء وأمواتاً!

«يضيق عليك الكون/ فتتسرب م الألم..

للمدى المفتوح/ لأسراب البنات/ لتفعيلة كعوبهم ع الرصيف/ ثم انتهاء بالهزج.

وتسافر/ توصل الطرقات برجلك/ فيحمسك حبة شجن لناحية بيت ماهوش ملكك

تتنفس عادم قصايدك/ من الدوا/ واللون/ والشارع/ والبنات

وتنشد: انت فين والشعر فين؟

انت وإياه افترقتم/ قبل ماتكتب قصيدة للفرح/ قبل ماتغزل من ضي عينك مفتتح

فاقطع ايدين تتمد لك/ بكتاب وكراسة وقلم/ واصلب مَن بَشَّروك بالنبوة/ في زمان ارتداد الناس عن علم العروض

يا سيدي النايم على عطفة غروب الروح/ ان جه نهارك جوه بيتك

اطرده/ واقفل الأبواب وراه/ واعزف سوناتا الصمت/ وإلبس الليل المبهوق ع الخلايق

هتعيش أمير/ تؤمر خيالك راح يطير

مادام عيون الخلق بتشوف القمر/ ماتبصلوش/ حِب القمر غايباً/ ارسم الصحاب على الجدران/ وامسحهم كل يوم واحد

ياسيدي النايم على عطفة غروب الروح/ هيجيك نهار يطلب فدا/ اهرب/ وادخل اليوم اللي بعده/ هايجيك،،، فبعده/ اهرب/ ثم اهرب/ هتلاقي نفسك على ناصية الأيام/ تتسرب للألم/ للمدى المفتوح/ لأسراب البنات/ لتفعيلة كعوبهم ع الرصيف/ ثم انتهااااااااء بالـ........................»

ومات عبدالعزيز عمار شابا بائسا، لم يرحمه الشعر، ولم تتسع له ذاكرة روبي، ربما لأن مغنية السوق تهتم بالمؤخرة لا بالذاكرة.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية