x

أيمن الجندي المُلْهَمون أيمن الجندي السبت 19-09-2015 21:10


هل تذكرون الخواجة «عبدالقادر»؟ هل تذكرون شؤونه الغريبة وأحواله العجيبة؟ هل تذكرون حين ضرب رجلاً لا يعرفه بحجر كبير على رأسه؟ وحينما سألوه: «لماذا فعلت ذلك؟»، قال بلهجته المكسرة: « موس عارف يا خبيبى!».

استفزتهم جدا إجابته فسألوه فى حدة أكبر: «يعنى إيه مش عارف؟!». قال وهو يكاد يبكى كالأطفال: «موس عارف! لقيت نفسى باعمل كده».

■ ■ ■

فى كتابه البديع «الإمام الصادق» فسر لى شيخنا الجميل «محمد أبوزهرة هذا الموقف العجيب للخواجة عبدالقادر. فسّره برغم أنه بالطبع لم يشاهد المسلسل الذى لم يجرِ تصويره إلا بعد ستين عاما من لحظة تدوينه هذا الكتاب.

البداية كانت فى هذه القصة التاريخية التالية:

«قبيل سقوط الدولة الأموية حدث اجتماع للبيت الهاشمى، وكان من بين الحضور أبوجعفر المنصور الذى صار فيما بعد أقوى خليفة عباسى. فى هذا الاجتماع أراد شيخ بنى هاشم «عبدالله بن الحسن» أن يأخذ البيعة لابنه النفس الزكية «محمد عبدالله»، والذى كان يعدّه المهدى المنتظر لتشابه اسمه مع اسم الرسول.

تقول الرواية إن الإمام جعفر الصادق رفض بشدة مبايعة محمد النفس الزكية. وقال -بين ما قال- إن الخلافة لن تكون له، وإنما للسفاح ثم للمنصور الذى سوف يقتل محمدا النفس الزكية وأخاه إبراهيم».

استبعد الشيخ أبوزهرة حدوث الرواية بهذه الكيفية التى تفترض معرفة غيب لا يعلمه إلا الله. وهو أمر أوافقه فيه بشدة. إذْ غالبا ما يُضاف إلى الروايات بأثر رجعى لادعاء شىء ما، ولكن ذلك ليس موضوعنا الآن.

يرجّح الشيخ أبوزهرة أن الإمام الصادق قد اقتصر على ذكر أن أمر الخلافة لن تصل إلى محمد النفس الزكية، وأنه لم يذكر القتل ولا ترتيب الخلافة العباسية.

فى تفسيره لذلك يقول لنا الشيخ كلاما قيّما. هو لا ينفى أصل الإلهام، ولكن المُلْهَم لا يقول كلامه جازما قاطعا متحديا كما تفترض الرواية فى الإمام الصادق! وإنما تكون عبارات تجرى على لسانه! وفى الأحيان الكثيرة لا يكون قاصدا لمعناها، بل تجرى على لسانه من غير إرادة.

وهنا يُفرّق العلماء بين الكرامة والمعجزة: فالمعجزة يصحبها التحدى، إذ هى علم أعطاه الله لنبيه المرسل ليُثبت رسالته. أما الكرامة فهى أمور تجرى على يد الشخص الذى أكرمه الله أو أقوال تجرى على لسانه من غير ادعاء علم الغيب والتحدى به.

ويزيد أبوزهرة شرح المسألة فيقول: «على أن الكرامة لا يجب الإيمان بها، وكل من رآها فى شخص صدّقها، ومن لا يراها فهو فى حلٍ من التصديق». انتهى كلام أبى زهرة.

■ ■ ■

يا له من رجل رائع! أعنى الشيخ أبا زهرة. هكذا فسّر لى أحوال الخواجة عبدالقادر المحيرة. هذا الرجل الذى ضربه بحجر كبير على رأسه من غير سبب واضح، كان فى طريقه لقتل رجل آخر. عندما استيقظ الرجل الجريح من غيبوبته، والذى لم يكن يريد أن يصبح قاتلا لولا جموح الغضب، وعرف ما حدث له على يد الخواجة غريب الأطوار، فإنه وسط ذهول الحاضرين جميعا، بل وسط ذهول الخواجة عبدالقادر نفسه، الذى لم يكن يعلم لماذا فعل ذلك، فإنه انكبّ برأسه الجريح الذى تقطر منه الدماء على قدم الخواجة ليقبّلها، عالما أن فيه (شىء لله).

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية