x

شوقي السيد حضرات السادة.. لا تنشغلوا بالدستور الآن!! شوقي السيد الخميس 17-09-2015 21:07


■ ما إن تحدث رئيس الجمهورية عن الدستور «عرضاً»، أمام شباب الجامعات، بكلمة واحدة تحمل وصفا لنصوصه بأنها «قد وضعت بحسن نية، وأن الدول لا تحكم بحسن النوايا»، إلا وانطلقت الأصوات عالية، منها ما هلل لتعديل نصوص الدستور تقرباً وزلفى، بل اعتبر ذلك شعاراً فى الانتخابات البرلمانية، ومنها أصوات اعتبرت ذلك رسالة سيئة لفوبيا الاستبداد وخروجاً عن المألوف، لأن هذه العبارة تعنى دعوة لتعديل الدستور قبل تطبيقه، ومن الأصوات كذلك ما طالب بالإفصاح صراحة عن مقصود حسن النية فى وضع نصوص الدستور!!

■ وسرعان ما صارت تلك المادة حدثاً إعلامياً، تناولته الصحف وأجهزة الإعلام والفضائيات، وكل فسر التعبير برؤيته، ماذا عن وصف نصوص الدستور بحسن النية، وأن الدول لا تحكم بحسن النوايا؟ وتأتى تلك الضجة الإعلامية والخلاف فى الرأى، وهو خلاف محمود، إذا وضع فى دائرة الموضوعية والبحث عن صالح البلاد والعباد، لكن المشكلة أن هذه الضجة تأتى قبل الأوان.. وسط أجواء ومعارك انتخابية بمناسبة اختيار أعضاء مجلس النواب القادم!!

■ نعم تم الاستفتاء الشعبى على الدستور يومى 14 و15 يناير 2014، وحظى بأغلبية وموافقة شعبية كبيرة، وجمع مواد مطولة بلغت 247 مادة بالتمام والكمال، وتم إصداره ونشر فى 18 يناير 2014 وبذلك كان إعلاناً لتمام الطريق الثانى فى الجمهورية الجديدة، ومازلنا فى الطريق إلى إتمام الطريق الثالث بانتخاب مجلس النواب القادم، وقد أعلن عن فتح قبول طلبات الترشح، وتزاحم المرشحون حتى بلغ عددهم 5941 مرشحاً وأربع عشرة قائمة، بعد صدام وصراع وانسحاب كان مشهداً سياسياً ينذر بالقلق، بعدها تم الإعلان عن الكشوف النهائية للمرشحين لإجراء الاقتراع خلال شهرى أكتوبر ونوفمبر القادمين، للوصول إلى مجلس نواب قبل نهاية العام، وليبدأ ممارسة اختصاصاته ومسؤولياته الجسام.

■ لكن الدستور لم يمض على العمل به ونفاذه سوى سنة وعدة أشهر، ومازالت معظم نصوصه لم تدخل حيز التنفيذ، بل إن بعض السلطات والهيئات.. لم يتم تشكيلها بعد، كما أن كثيراً من القوانين التى يجب أن يُصدرها البرلمان لم تصدر، فضلاً عن أن القوانين التى واجهتها نصوص الدستور بأحكام مغايرة مازالت باقية تنتظر تعديلاً، وبقيت على حالها، فضلاً عن أن ممارسة النصوص الدستورية ذاتها وممارسة بعض السلطات فى مواجهة بعضها البعض سواء عند الموافقة على برنامج الحكومة.. أو الثقة فى أعضائها مازال ذلك كله.. لم يوضع موضع التطبيق، وبذلك فإن بث الحياة إلى نصوص الدستور لم يبدأ بعد، لأن حياة النص تبدأ من تطبيقه!!

■ لكن ذلك كله لا يصادر حق كل مواطن، بما فى ذلك الرئيس، أن يكون له رأى فى نصوص الدستور المجردة، وقبل تطبيقها، ومهما كانت الأوصاف، بدءاً من وصفها «بحسن النوايا»، أو العودة إلى حال الجمعية التأسيسية.. وخلافات الرؤى.. واختلاف وجهات النظر، والمبادئ والأيديولوجيات.. وانتقاد بعض النصوص لأن ذلك كله حق لكل مواطن، وكاتب المقال له آراء نقدية كثيرة على النصوص الدستورية القائمة وعن كيفية التصويت.. وما انتهت إليه النصوص.. وعبر عن ذلك من قبل فى مناسبات عديدة، لأن طول مواد الدستور وعرضها 247 مادة، غلب عليها الطابع الإنشائى والخطاب السياسى، كما أن استئثار مجلس نيابى واحد بعدد كبير من النواب يبلغ الستمائة تقريباً- يتعارض مع الاتجاه العالمى بالأخذ بنظام المجلسين، كما جرت النصوص كذلك، انحيازاً لبعض السلطات على حساب السلطات الأخرى، مع ظروف الأحوال السياسية فى البلاد، وضعف الحياة الحزبية، كل ذلك وغيره ينذر باحتمالات التصادم إذا ما استخدمت تلك السلطات من زاوية شخصية أو بتعسف دون مراعاة للمصلحة الوطنية الكبرى فى تلك المرحلة.

■ لكن ذلك الخلاف كله، أو التردد والترقب أو حتى الخوف والحذر من نصوص الدستور، كل ذلك قضايا سابقة لأوانها، فالأمور بأوقاتها، ولكل مجال مقال، فنحن الآن أمام ساحة الانتخابات البرلمانية، أو المعارك الانتخابية القادمة لاختيار أعضاء مجلس النواب القادم وهى مرحلة الطريق الثالث فى بناء واستكمال أركان الدولة الديمقراطية، وبغيرها مازال البناء الديمقراطى غير كامل، فلا يمكن أن يشغلنا النقاش فى مواد الدستور والخلاف حولها والدعوة إلى تعديلها، أو الإبقاء عليها، فى زخم إعلامى، ونحن مازلنا فى بناء واستكمال الطريق الثالث بتشكيل مجلس النواب، ومن ثم يصبح الحديث عن تعديل بعض مواد الدستور حديثاً قبل الأوان.

■ دعونا من الحديث عن مواد الدستور.. والخلاف حوله.. والتردد أو الخوف من نصوصه، أو إطلاق الأوصاف حول كيفية إعداده، حتى لو كان ذلك قد يأتى لاحقاً، لأننا الآن أمام مرحلة مهمة وحاسمة، يتوقف عليها سلامة الحكم على مواد الدستور ظالمة أو مظلومة، خاصة أن الحديث عن التعديل أو تغيير بعض نصوص الدستور لا يأتى إلا من خلال طلب الرئيس إلى مجلس النواب.. أو خُمس أعضاء مجلس النواب الذى لم يشكل بعد، وبإجراءات مركبة ومطولة نص عليها الدستور ذاته فى المادة 226، ومن حسن الحظ فإن دستورنا يعد من الدساتير الجامدة غير المرنة، وهو ما يحمد له، حتى لا يكون التغيير سهلاً ميسوراً فى أى وقت وبأى طريق!!

■ لا تظلموا نصوص الدستور مقدماً أيها السادة.. ولا تسبقوا الزمن، فالحديث عن ذلك قبل الأوان وعلينا الآن.. أن ننشغل بانتخابات مجلس النواب القادم.. كفاءة المرشحين.. وحسن الاختيار.. وإبداء النصح فى كيفية الاختيار.. وإرشاد المرشحين فى كيفية الالتزام وحسن الأداء والبعد عن المظان والشبهات، وعندئذ قد نحظى بتشكيل مجلس نواب يسابق الزمن فى صناعة وإعداد التشريع لصالح الناس وإقرار السياسة العامة والخطة التى تحقق التنمية الاقتصادية.. والاجتماعية، لتعود إلى المجتمع الطبقة المتوسطة والآمنة، التى اختفت عبر أجيال، وليراقب الحكومة فى كيفية تحقيق تلك الأهداف والغايات، وعندئذ قد نحظى بأعضاء مجلس ونواب شعب، يحافظ كل منهم على الوفاء بالقسم على احترام الدستور والقانون.. ورعاية مصالح الشعب رعاية كاملة.. بعدها وفى ضوء الممارسة وإعمال النصوص وتطبيقها يمكن الحكم على نصوص الدستور وأحكامه ويجرى الحوار.. بعلم.. وبحيادية.. ووطنية عالية لتحقيق مصلحة البلاد عن أحكام التعديل.. ومداه.

■ فإذا ما تسابق السادة النواب تحت قبة البرلمان فى تحقيق المقومات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتدعيم الحقوق والحريات والواجبات العامة كما وردت فى الدستور، بما فيها كفالة حقوق المواطنين فى السكن الملائم والأمن والصحة والغذاء الكافى، وتأمين الموارد الغذائية وحقوق الأطفال ذوى الإعاقة صحياً واقتصادياً واجتماعياً وترفيهياً.. ورعاية الشباب والمسنين والرياضة للجميع والتعليم الكبير والحفاظ على الأمن القومى.. ورعاية المصريين المقيمين فى الخارج.. وسيادة القانون.. وتحقيق العدالة الناجزة وغيرها من الأمانى والأهداف، التى وردت فى ديباجته تجسيداً لحلم الأجيال وفتح طريق المستقبل وصون الحرية وحماية الوطن.. أما أن يتفرغ السادة الأعضاء للبحث عن أسباب عدم الثقة فى الحكومة أو الاعتراض على تعديل الوزراء والصدام مع السلطة التنفيذية، فعندئذ سوف يعجل الحديث وبقوة عن تعديل مواد الدستور لأن ذلك كله يتوقف على كيفية بدء الحياة مع نصوص الدستور الجديد وتحقيق غايته.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية