ونحن نحتفل بذكرى موسيقار مصر الرائع بليغ حمدى نحتار فى أن نلتقط خيط البداية من سيرته التى برغم قصر مدتها فإنها حافلة بالفن وغنية بالإبداع، لقطتى ستكون من 6 أكتوبر الذى هو للصدفة يسبق عيد ميلاده بيوم، وقد ترجم لنا هذا العبقرى نحيف الجسم ضخم الموهبة نيران المدفعية وأزيز الطائرات وزمجرة الجنازير موسيقى، بكينا وانتشينا مع أغنية «على الربابة» التى، وبالرغم من كل هذه السنوات، مازلنا نقشعر مع أول جملة موسيقية فى لحنها البسيط المؤثر الرائع، أغنية «بسم الله الله أكبر» صارت هى النشيد القومى لنصر أكتوبر بهدير أصوات المجموعة والكورس المجهول، والتى كانت أشجى من صوت أى مطرب نجم لأنها صوت الناس. لابد فى هذا اليوم من تكريم بليغ حمدى فأنا أعتبره بطلاً من أبطال حرب أكتوبر، وإن لم يحمل بندقية ولم يطلق رصاصة بل حمل حلماً وأطلق إبداعاً خالداً، هو الذى مات منفياً فى الداخل بعد عودته من منفى الخارج، وأفضل تكريم له هو خروج مسلسل بليغ إلى النور، هذا المسلسل القابع فى أدراج الروتين المصرى يحارب للخروج إلى النور منذ سنوات، لابد من تعاون التليفزيون ومدينة الإنتاج ودعمهما للمخرج مجدى أحمد على، والمؤلف محمد الرفاعى، لكى يظهر هذا المسلسل الذى سيحكى لمن لا يعرف بليغ من هو هذا العبقرى الذى قدمه محمد فوزى لأم كلثوم قائلاً: «مصر حتغنى له خمسين سنة قدام»!. سؤال مشروع أن تطرح علامة استفهام تقول: كيف التقط بليغ لحن «على الربابة باغنى» و«يا حبيبتى يا مصر» و«عدى النهار» و«باسم الله»؟! كيف أمسك بالتيمة الموسيقية الرهيبة لفيلم «شىء من الخوف»؟ كيف عزف «سيرة الحب» و«ظلمنا الحب» أمام سيدة الغناء ليخلب بهما عقل سيدة الغناء العربى؟ كيف وصلت شفافيته إلى هذه الصوفية فى ابتهال النقشبندى «مولاى إنى ببابك» و«سبحانك ربى»!! كيف تحول إلى طفل شقى يشخبط على الحيطان فى أغنية «أنا عندى بغبغان»،
كيف ترجم أفراحنا وأحزاننا ونزواتنا وعديدنا إلى جمل موسيقية تسللت إلى وجداننا فصارت علامة جودة قياسية مختومة بختم بليغ حمدى، وصرنا نندهش من أن كل لحن يعجبنا لشادية أو وردة أو حليم أو محمد رشدى أو عفاف راضى أو ميادة... إلخ، نكتشف أن بليغ هو مبدعه وخالقه الفنى. لن أتحدث عن ألحانه لأم كلثوم أو عبدالحليم، فالتحدى يكون عندما تلحن لمطربين ومطربات موهوبين ولكن لمعانهم الشديد لم يحدث إلا عندما مستهم عصا بليغ السحرية، وبعضهم كان لحن بليغ له هو جواز مروره الوحيد لقلوب الجماهير، فأفضل ما غنى رشدى تجده من ألحان بليغ (عدوية، وميتى أشوفك، وع الرملة)، العزبى (يا بهية)، شهرزاد (عسل وسكر)، ونستطيع أن نقول عن عفاف راضى إنها صناعة بليغية خالصة (هوى يا هوى/ كلة فى الموانى/ ردوا السلام/ جرحتنى عيونه السود/ تساهيل/ عشاق الليل/ راح وقالوا راح/ عطاشى/ قضينا الليالى)، سوزان عطية (تتاقل بالمال)، عليا التونسية (ع اللى جرى)، عزيزة جلال (مستنياك وحرمت الحب عليه)... إلخ. بليغ حمدى لحن لم يكتمل وكنز لم يكتشف بعد ولم ينقب عن كل جواهره بعد، كل ذنبه أنه عاش بروح الفنان الحر المحلق فى مناخ يمتص رحيق الفنان حتى الثمالة، وعند أول عثرة يمسك بتلابيبه ويشمت ويذبح وينتشى بالذبح، نرجو أن يظهر المسلسل قريباً لنعرف من هو بليغ؟