x

د. ياسر عبد العزيز صحفيون فاسدون د. ياسر عبد العزيز السبت 12-09-2015 21:03


يقدم الصحفيون حول العالم تضحيات ويحققون إنجازات تخدم الأوطان والإنسانية، وتعلى من شأن المبادئ والقيم، وتكشف الفساد، وترصد الخلل؛ وهم من أجل ذلك يبذلون الجهود الكبيرة، ويتحدون الصعاب والمخاطر، ويؤكدون على مكانة مهنتهم وأهميتها لنا جميعاً.

لن يكون من السهل نسيان هؤلاء الصحفيين الذين قتلوا في أماكن الخطر والحروب والنزاعات والكوارث الطبيعية، فيما كانوا يحاولون أن ينقلوا لنا الحقائق، لتصل إلينا حيث نجلس مرتاحين نطالع صحيفة أو نشاهد نشرة أخبار.

كيف يمكن أن ننسى هذا الزميل الذي قام بالتقاط صورة محمد الدرة، مخاطراً بأن تطوله رصاصات العدوان الإسرائيلى، أو ذاك الذي نشر تحقيقاته عما جرى في سجن «أبوغريب» في العراق، كاشفاً زيف الادعاء الأمريكى عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، أو هذا الذي كشف فضيحة «ووتر جيت»، فأطاح رئيس أكبر دولة في العالم، أو هؤلاء الذين كشفوا لنا فضائح الملوك والرؤساء والوزراء، وأطاحوا الحكومات، وفضحوا الصفقات المريبة، ومهدوا الطريق لمعاقبة الفاسدين والمقصرين.

لقد التقط مصور صحفى صورة قبل أسبوعين لطفل سورى ألقته الأمواج ميتاً على ساحل بلدة تركية، بعدما غرق هو وأمه وشقيقه أثناء محاولتهم الهجرة إلى أوروبا بطريقة غير مشروعة، وهى الصورة التي أدمت قلوب كل من شاهدها، وكان لها فعل السحر في السياسة العالمية حيال الأزمة السورية ومشكلة اللاجئين التي تمخضت عنها.

بسبب صورة ذلك الطفل «إيلان» اندلعت التظاهرات في عواصم أوروبية، واتخذت الحكومات إجراءات، وأصدرت قرارات، وأطلقت استراتيجيات، وأجرت مراجعات لسياسات اللجوء والاستيعاب، بل إن الزخم الذي أحدثته الصورة خلق ضغوطاً على القوى الفاعلة في الملف السورى، ودفعها إلى طرح بدائل جديدة، ومحاولة ابتكار حلول للأزمة المتفاقمة في سوريا.

تلك أدوار نبيلة تمارسها الصحافة، ومهام جسيمة يقوم بها صحفيون ماهرون ومحترفون، لكن بموازاة هؤلاء هناك من يفعل العكس تماماً، فيجعل من الصحافة وسيلة لتكريس الفساد والإضرار بمصالح الناس.

قبل أسبوعين، أعلنت السلطات الفرنسية توقيف صحفيين فرنسيين معروفين هما «إريك لوران» و«كاترين جراسييه»، بتهمة محاولة ابتزاز العاهل المغربى الملك محمد السادس؛ بعدما سجلت الشرطة لهما حواراً مع مسؤول بالقصر الملكى المغربى، يطلبان خلاله ثلاثة ملايين يورو في مقابل التخلى عن نشر كتاب «مسىء» للملك.

يبدو أن الصحفيين سيدانان بحكم قضائى نافذ؛ إذ تشير الوقائع إلى تلبسهما بطلب المبلغ المالى، الذي وجدت السلطات أيضاً بحوزتهما جزءاً منه، فضلاً عن أنهما لم ينكرا أنهما حصلا على المبلغ لقاء التخلى عن نشر الكتاب، خصوصاً أنهما وقعا اتفاقاً يحمل هذا المعنى.

تلك قضية ابتزاز واضحة وقعت بواسطة صحفيين؛ وهما قد استغلا مهنتهما، واستغلا الصلاحيات التي يحصل عليها كل صحفى ليؤدى عمله من أجل تحقيق كسب شخصى رخيص، مهما كان المبلغ الذي تحصلا عليه.

ليس ما فعله الصحفيان الفرنسيان بأسوأ كثيراً مما فعلته المصورة الصحفية المجرية «بيترا لازلو»، التي كانت حديث العالم على مدى الأسبوع الماضى، بعدما ارتكبت مخالفة جسيمة، مستغلة أيضاً الصلاحيات التي يمنحها إياها عملها كمصورة صحفية.

فقد كانت «لازلو» تنقل لمحطة التليفزيون المجرية «إن وان تى فى» وقائع إلقاء الشرطة القبض على بعض اللاجئين السوريين، الذين حاولوا دخول البلاد بطريقة غير شرعية هرباً من الحرب والموت في سوريا.

وفيما كانت «لازلو» تصور الوقائع المثيرة، لاحظت أن لاجئاً سورياً استطاع الفرار ونجله الطفل من أيدى رجال الشرطة، فما كان منها إلا أن قامت بعرقلته، ليسقط الرجل فوق طفله، ويقع في أيدى الشرطة. لم تكتف المصورة المجرية بذلك، بل قامت أيضاً بعرقلة طفلة كانت في طريقها للنجاة من القبض عليها، مما أعاق فرصتها لعبور المجر إلى بلد آخر يقبلها كلاجئة.

فإذا كان الصحفيان الفرنسيان استغلا الصحافة في ممارسة جريمة الابتزاز، فإن «لازلو» استغلت الصحافة لتحقيق أهدافها السياسية، المتمثلة في معاداة اللاجئين، بوصفها تعمل في محطة مقربة من حزب يمينى يعارض استيعاب المهاجرين.

لدينا في مصر صحفيون مثل هؤلاء تماماً، يمارسون الابتزاز يوماً بعد يوم، ليحققوا الثروات الطائلة، أو ينسون كونهم صحفيين ومذيعين ويتحولون إلى جنود شرطة ينفذون ما يعتقدون أنه «العدالة» ويدافعون عما يعتقدون أنه «مصلحة الوطن» بأرجلهم وحناجرهم وأياديهم.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية