x

عبد المنعم سعيد لا مفاجأة..! عبد المنعم سعيد الإثنين 07-09-2015 21:07


لم أشعر بأى نوع من المفاجأة، صباح الأحد قبل الماضى، عندما استيقظت فى مدينة بوسطن الأمريكية لكى أقرأ أنباء حقل الغاز العملاق الذى اكتشفته شركة إينى الإيطالية فى المياه الإقليمية المصرية على البحر الأبيض المتوسط. لم يكن هناك حتى ذلك الإحساس بالدهشة، لأن حجم الحقل يتعدى ٣٠ تريليون قدم مكعب من الغاز؛ حتى بعد أن بدا أن أحدا لا يصدق أن تلك هى الحقيقة، فوجدنا رئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب يتحدث عن حقل «يتعدى» تريليون قدم مكعب. لم تكن هناك مفاجأة ولا دهشة لأن يقينى لم يتزعزع أبدا أن مصر حافلة بالإمكانيات والموارد الهائلة، وكل ما هنالك هو أننا لا نعرف كيف نستغلها ونديرها ونجعلها تدر الستر والرخاء للمصريين. أصل المسألة ببساطة أننا أطلقنا اليد لشركات عالمية تعرف كيف تستخلص «الذهب» من أرض وبحر دولة لايزال برها بكرا لم يستغل منه إلا ٧٪، وبحرها وبحيراتها عذراء لم يمسسها بشر فى معظم الأحوال. المهم فى كل مرة أن يطلق يد المستثمر، ونبعد عنه جماعة البيروقراطية المصرية التى لديها يقين أن مهمتها هى حراسة الأرض لكى تظل بورا وجرداء وتسرح فيها الزواحف والحشرات؛ أما البحر فليس فيه من فائدة إلا التمتع بمشهده الأزرق الجميل.

كل ما فى مصر ثروة، وثروات طائلة أيضا، وقبل سفرى بفترة قصيرة كان لى لقاء طويل مع الدكتور خالد الغزالى حرب حكى لى فيه قصته مع فوسفات أبوطرطور الذى عبر دوما عن قصة الفشل الكبرى للقطاع العام المصرى. الآن صار العنوان شركة مصر للفوسفات (شركة مساهمة مصرية)، وكانت نقطة التحول فى تاريخها الذهاب إلى أصحاب العلم فى موضوع الفوسفات بتبادل الرأى والمشورة مع أكبر شركة عالمية متخصصة فى الموضوع فى الولايات المتحدة الأمريكية. ذهلت الشركة من أن هناك قناعة مصرية بأن الفوسفات المصرى ردىء النوع ومن ثم فإن تحوله إلى فوسفات بلا شوائب يجعله غير قادر على المنافسة فى السوق العالمية؛ وكان ذلك سبب الخسائر المستمرة. كانت وجهة نظر الشركة جديدة على المصريين وهى أنه لا يوجد فوسفات جيد وآخر ردىء، هناك فوسفات يتعامل مع أراض زراعية من نوع معين، وهناك فوسفات يتعامل مع نوع آخر. المهم أن نعرف العالم، ونوعيات الأرض فيه، وساعتها سوف نجد المشترى الذى يحصل على ما لدينا. الأمر فيه كثير من التفاصيل الفنية، ولكن خلاصتها كانت مع التدريب ونقل الخبرة الفنية والتنظيمية انتقل المشروع الفاشل إلى النجاح، ومن الخسارة إلى الربح. الغريب فى الأمر أنه صاحب هذا التحول وجود اكتشافات أخرى على سواحل البحر الأحمر فيها فوسفات من الأنواع الجيدة حسب تعريفنا للجودة فى السابق. النتيجة أن مصر يمكنها أن تكون واحدة من أكبر منتجى الأسمدة فى العالم.

ما إن تكون فى الغربة حتى تكون أخبار مصر أول ما تطلع عليه كل صباح؛ ومن الجائز أن يأتى خبر مفرح مثل حقل الغاز العملاق، ولكن الأخبار كلها بعد ذلك مروعة، ففى لحظة الإعلان عن الحقل أعلنت مجموعة من المستثمرين الكويتيين أنهم سوف يجمدون مشروعهم لاستثمار خمسة مليارات من الدولارات فى إنتاج الأسمدة من مصر لأن الحكومة «الرشيدة» توقفت عن إمداد مصانع الأسمدة بالغاز أو الطاقة اللازمة للإنتاج. مثل هذه القصة حدثت بحذافيرها مع الشركة الأسترالية التى يملكها مصرى والتى تقوم بإنتاج الذهب فى مصر. قبل حضور هذه الشركة كان الاعتقاد الذائع أن المصريين القدماء استهلكوا ما لدينا من ذهب، وأن ما تبقى فإن استخراجه ليس اقتصاديا بالمرة. المصرى الذى أصبح أستراليا لم يجد الفكرة مقنعة لأن إخوته من المصريين لا يوجد لديهم خبرة بما يمكن أن تفعله التكنولوجيات الجديدة فى أن تجعل ما هو غير اقتصادى اقتصاديا بامتياز. جرى الاتفاق بعد المراوحة المعتادة، والتأخير المعروف، وبدأت أولى عمليات إنتاج الذهب حتى بدأت عمليات التخريب المعتادة، بدءا من التشكيك فى سرقة الذهب، أو أن الاتفاق لم يكن عادلا، أو أن ما تحصل عليه الشركة مقابل التكاليف التى أنفقتها كان مبالغا فيه، وهذا حال ربما يوقف إنتاج الذهب، كما توقفت الأسمدة.

أطرف ما قرأت من مصر تعليقا على اكتشاف حقل الغاز العملاق كان كيف أن هذا الكشف، فضلا عن أنه أقلق إسرائيل كثيرا بسبب منافسة الغاز المصرى، فإنه يوقف جهود استيراد مصر للغاز الإسرائيلى. الأمر على هذا الحال يجعلنا ننسى أننا مازلنا فى حالة فقر للطاقة (وهناك فقر آخر للمياه ربما لن يحله إلا مزيد من الطاقة لتحلية مياه البحر)؛ ومع أكثر التقديرات تفاؤلا فإن إنتاج الحقل الجديد لن يكون قبل ثلاث سنوات. زد على ذلك أمرين: أولهما إذا كان إنشاء قناة السويس الجديدة هو الخطوة الأولى التى سوف تتلوها ألف خطوة، كما قال الرئيس السيسى، مستعيرا من ماوتسى تونج أن طريق الألف ميل يبدأ بخطوة واحدة، فمعنى ذلك أننا نحتاج ألف حقل جديد من مصادر الطاقة المختلفة. المسألة هى أن نعرف حجم التحدى التنموى الذى نعيشه حتى نعرف أنه لا ينبغى التفريط فى أى من مصادر الطاقة المتاحة أو القريبة التى تتوفر لها بنية أساسية قائمة بالفعل. وثانيهما أن ما نشر عن الاتفاق مع الشركة الإسرائيلية لا يتضمن فقط سد احتياجات مصرية للغاز، وإنما إعادة تصديره بعد تسييله فى المصانع المصرية المقامة بالفعل، أى أن مصر سوف تحصل على القيمة المضافة لعملية تصنيع الغاز المسال، ومن يعرف فربما تصير مركزا عالميا لهذه الصناعة ليس فقط لأن لديها حقولا عملاقة، وتريليونات كثيرة من أقدام الغاز المكعبة، وإنما لأن لديها القدرة على تسييل الغاز وتصديره إلى الأسواق القريبة فى أوروبا، وكذلك تصير مركزا لصناعات كثيرة كلها تقوم على الغاز. وإذا كان الحقل الجديد يضيف ٤٥٪ إلى المخزون الاحتياطى المصرى، فإنه لن يكون من قبيل الخيال أن اكتشافات جديدة سوف تأتى؛ ألم نتفق مع شركة بريتش بتروليوم على استثمار ١٢ مليار دولار لاكتشاف الغاز والنفط فى منطقة غرب الدلتا؟

القصة بأكملها لم تكن فيها مفاجأة، أو ما يبعث على الدهشة؛ فقبل عام كانت أحوال الكهرباء فى مصر من التعاسة بمكان. هذا العام أصبحت الأحوال أفضل كثيرا لأن اتفاقا جرى مع شركة جنرال إلكتريك، لكى تزود مصر بنوعيات جديدة من التوربينات تستطيع توليد الكهرباء خلال فترة وجيزة، بعد ذلك جاءت شركة سيمنز لكى تقدم محطات للكهرباء، وفى الطريق دخلت شركات مصرية كبرى مثل أوراسكوم لكى تتغير أحوال الكهرباء فى مصر. المعادلة ببساطة بسيطة تبدأ بفكر حديث وعالمى ويعرف معجزات التكنولوجيات الجديدة، وموارد متاحة تنادى من يكتشفها ويستغلها برا وبحرا. التمويل لم يكن، ولن يكون أبدا مشكلة لأن كل ما نتحدث عنه هو ثروات طائلة تجذب دائما أموالا كثيرة موجودة فى مصر، وفى العالم، ولدى المصريين فى البنوك، والكثير منها تحت البلاطة؛ المهم أن تتحول المشروعات إلى مؤسسات وأسهم وسندات يمتلكها المصريون ويورثونها لأبنائهم وليس لموظفى الحكومة!!.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية