جوانب سلبية تشهدها مجازر ذبح الحيوانات، ما بين بلطجة الجزارين لإجبار الطبيب البيطري على عدم رفض الذبيحة، إلى ممارسات الذبح والتشفية والتقطيع للحوم، وسط مخلفات الذبيحة مثل الكرشة والأمعاء والفشة والكلية والقلب، لدرجة عدم القدرة على التفرقة بين الأجزاء النظيفة والملوثة، وعلى المشاهد لأعمال الذبح بالمجازر أن يكتفي بالصمت قبل أن تدركه وخزة سكين أو مشرط جزار.
وقال الدكتور خالد شوقي، أستاذ صحة الأغذية بمركز البحوث الزراعية، في حوار لـ«المصري اليوم»، إنه من المفترض أن يتم ذبح جميع الحيوانات بالمجازر وفحصها من الأطباء المتخصصين، حفاظا على الصحة العامة وسلامة المستهلك، لكن هناك بعض المشاكل تواجه المجازر، منها أنها غير مزودة بخطوط ذبح آلية وأغلبها يعمل يدويا، وبالتالي يتم ذبح وتشفية وتجهيز الحيوان بطرق غير صحية، ما يعرض الذبائح للتلوث بالعديد من الميكروبات الممرضة، والتي في بعض الأحيان تتعدى الحدود المسموح بها دوليا، ما يؤثر على سلامة الغذاء وصحة المستهلك.
وإلى نص الحوار:
ما هي مخاطر النقل السيئ للحوم؟
النقل السيئ وعدم وجود مبردات لحفظ اللحوم أثناء النقل، يعرضها للتلوث بالغبار والأتربة وعوادم السيارات والحشرات والميكروبات، وكذلك العرض السيئ للحوم في بعض منافذ البيع يزيد من تفاقم الحمل الميكروبي، وبالتالي تزايد الأضرار الناجمة على الصحة العامة من تناول تلك اللحوم.
وماذا عن حالة المجازر؟
المجازر تساهم في زيادة المصادر المؤثرة على التلوث البيئي، لما تنتجه من مخلفات ثانوية تتمثل في الدم والعظام والجلد والقرون والحوافر والأجزاء غير الصالحة للاستخدام الآدمي والمعدومة والحيوانات النافقة والصوف والشعر، والأحشاء الداخلية ومحتويات الكرش والحيوانات الحية، بالإضافة إلى ناتج عمليات نظافة العنابر ووحدات التصنيع، خاصة أن هذه المخلفات تحمل كثيرا من المسببات المرضية، علاوة على أنها مصدر دائم للروائح المزعجة الناتجة من التحلل اللاهوائي لهذه المخلفات، خاصة في الوضع الحالي، الذي أصبحت فيه المجازر ملاصقة للتجمعات السكانية، ما يلقي الضوء على وجود أزمة حقيقية تعاني منها الحكومة، وهي عدم تدريب العاملين بالمجازر على اتباع الاشتراطات والممارسات الصحية الجيدة الخاصة بإنتاج لحوم سليمة.
وماذا عن المنظومة الحالية للمجازر؟
لا توجد منظومة جيدة لإدارة المجازر، إضافة إلى عدم وجود تأمين لجميع العاملين بالمجازر، لأنها تعتبر من المهن الخطيرة التي يستخدم بها أسلحة بيضاء وتعتبر أي غلطة سببا في إحداث عاهة قد تكون مستديمة، كما أن ما يتحصلون عليه لن يكفي الصرف على أي إصابة أو التعرض لأي مرض معد لا يستطيعون تغطية نفقاته العلاجية، كما أن البنية التحتية لهذا القطاع تعاني مشكلات أهمها عدم تحديث المجازر، لأن معظمها تعتبر نقاط ذبيح تحتاج لتحديث وتطوير، من حيث تجهيز أماكن لاستقبال الحيوانات والحجر والفحص ما قبل الذبح والصرف الصحي وثلاجات حفظ اللحوم.
وما الحل من وجهة نظرك؟
لابد من وضع الخطط اللازمة لكيفية تلافي مخاطر تداول اللحوم خلال الذبح بالمجازر، مثل ضرورة توافر أماكن للحجر بالمجازر لاستقبال الحيوانات، وإجراء الفحص الطبي قبل الذبح بغرض مراقبة الحالة الصحية للحيوان لتحديد السليم من المصاب، خاصة خلال حجر الحيوانات في المحاجر البيطرية بالمناطق الحدودية، حيث يعتبر ذلك هو خط الدفاع الأول لمنع الأمراض الوافدة مثل الحمى القلاعية والطاعون البقري، لأن بعض الأمراض تحتاج اهتماما خاصا أثناء الفحص بعد الذبح (الأورام، التهابات المفاصل)، ما يستلزم ضرورة وجود مبردات لحفظ اللحوم أثناء النقل تراعي الاشتراطات الصحية الخاصة بنقل اللحوم، لحمايتها من التلوث بالغبار والأتربة وعوادم السيارات والحشرات والميكروبات وكذلك أماكن عرض اللحوم في منافذ البيع.
كيف يتم إدارة المخلفات؟
يتم إدارة المخلفات بالتخلص الصحي والآمن من المخلفات الثانوية غير الصالحة للاستخدام الآدمي، والحيوانات النافقة، بالإضافة إلى ناتج عمليات نظافة العنابر ووحدات التصنيع تجنبا للتلوث البيئي، ودور الدولة والأجهزة الفنية في تدريب العاملين بالمجازر على اتباع الاشتراطات والممارسات الصحية الجيدة الخاصة بإنتاج لحوم سليمة بأقل معدل تلوث، فضلا عن التأمين الشامل للعاملين بالمجازر ضد إصابات العمل أو الإصابة بالأمراض المعدية، وتطوير المجارز من حيث البنية التحتية وتحويلها إلى مجازر آلية.
وما هو الوضع الحالي للغذاء في مصر؟
الغذاء وسيلة سهلة لنقل الميكروبات الممرضة، لذلك يجب منع تلوث الطعام والماء بالميكروبات للمحافظة على الصحة العامة في أي تجمع بشري، باتباع عدة طرق وقائية لحماية الغذاء من التلوث، مثل عدم جعل الطعام مكشوفا للحشرات والأتربة، وغسيل الخضراوات والفاكهة بشكل جيد، وغسل الأيدي قبل وبعد تناول أي وجبة واحتياطات أخرى عديدة أثناء التصنيع والحفظ والتداول والاستهلاك.
وماذا عن اللحوم المصنعة؟
الدراسات والبحوث أثبتت أن الإكثار من تناول اللحوم المصنعة (اللانشون والبلوبيف والبسطرمة)، يؤثر بشكل مباشر على صحة المستهلك، حيث تزيد المخاطر لدى المستهلكين من جراء الإصابة بالأمراض المنقولة بالغذاء، إضافة إلى تواجد الكوليسترول والدهون المشبعة بكميات كبيرة والتي ترتبط بأمراض القلب والشرايين التاجية، فمعاملة اللحوم بالنيترات لإضفاء اللون الأحمر عليها، لتحسين جودتها ولونها ومذاقها وارتفاع كميات الحديد بتلك اللحوم، قد يكون السبب الرئيسي للإصابة بالعديد من السرطانات، خاصة سرطان القولون والمعدة والبنكرياس.
ماذا عن تلوث الغذاء؟
تلوث الغذاء هو مصطلح يشير إلى احتواء الطعام أو الماء على ما يجعله غير صالح للاستهلاك الآدمي أو الحيواني، سواء كانت كائنات دقيقة ضارة، أو مواد كيماوية سامة أو غذاء ملوث بالمواد المشعة القاتلة، ما قد يترتب على تناوله إصابة المستهلك بالأمراض العديدة والتي أشهرها التسمم الغذائي، وعوامل تلوث الغذاء تدور حول إهمال الطرق الملائمة لتداول الغذاء أو التغاضي عن بعض أساسيات التصنيع الغذائي، مثل عدم اتخاذ متداولي الأغذية الاحتياطات الصحية الصارمة، سواء بالنسبة لعاداتهم الشخصية أو في مناطق عملهم والأدوات المستخدمة، وعدم تبريد الأغذية بطريقة ملائمة.
كيف تفسر حالة مصانع اللحوم؟
الكثير من مصانع اللحوم العشوائية لا تتبع الممارسات الصحية والتصنيعية الجيدة أثناء التصنيع والنقل والتداول، أو عدم إدراك مدى خطورة الأمراض التي تنقل عن طريق الغذاء، فضلا عن قصور عملية الرقابة على نوعية الغذاء، خاصة من الناحية الميكروبيولوجية، وعدم الفصل بين الأغذية الطازجة والجاهزة للاستهلاك، وملوثات الغذاء المُصنع تشمل ملوثات بكتيرية وملوثات فيروسية وفطرية وطفيلية وكيميائية وإشعاعية، بالإضافة إلى ملوثات المعادن الثقيلة بالزرنيخ والكادميوم والألومنيوم، فالملوثات البيولوجية هي أخطرها على الإطلاق.
وهل يرتبط ذلك بالإنتاج الكثيف للحوم؟
التقارير الدولية الصادرة عن منظمة الصحة العالمية توضح أن الإنتاج المتوقع للحوم سيرتفع من 218 مليون طن سنويا إلى 376 مليون طن بحلول عام 2030، كما أن تقارير منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) تشير إلى أن صناعة اللحوم تسهم بنحو 18% من انبعاثات الغازات المسببة لارتفاع حرارة الأرض، والمتوقع ارتفاعها مع زيادة الإنتاج خاصة بالدول سريعة النمو مثل الصين، وهناك العديد من الأنواع المختلفة من اللحوم سواء البيضاء والحمراء والمصنعات والتي تأثرت بالتطور العلمي والتكنولوجي الكبير الذي يشهده العالم، خصوصا بعد نجاح بعض التجارب والأبحاث العلمية المتعلقة باللحوم المصنعة بالمختبرات، والتي قد تسهم في معالجة الكثير من المشاكل ومنها مكافحة الفقر والمشاركة في حل أزمة الغذاء العالمية، والتي قد تتفاقم بسبب الزيادة الكبيرة في تعداد سكان العالم إلى نحو 8.9 مليار نسمة بحلول عام 2050.
كيف نواجه هذه التحديات؟
هذه التحديات دفعت العلماء إلى تطبيق تقنية تصنيع اللحوم داخل المختبرات التي تعتمد على أخذ عينات من الأنسجة الحيوانية (الخلايا الجزعية)، ومعاملتها بمعاملات خاصة من خلال ربط 20 ألف نسيج بروتيني مصنع معمليا مع مكونات أخرى تستخدم في صناعة البرجر، منها الملح والخبز والبيض، مع إضافة عصير البنجر والزعفران لمنحها اللون المميز الجذاب، إلى أن تصبح قطعا من الأنسجة العضلية يمكن تقديمها للاستهلاك البشري، ويعتبر العالم البلغاري جابور فورجاس، العالم بهندسة الخلايا والأنسجة العضلية، أول العلماء الذين قدموا تجربة عملية لإنتاج لحم صناعي، حيث أثبت بالدليل القاطع أن اللحوم المصنعة معمليا لا يختلف طعمها كثيرا عن اللحوم الطبيعية، لأن الاختلاف الواضح هو افتقار المنتج للدهون.