x

عمرو الزنط عن هزيمة اللوبى أمام أوباما عمرو الزنط الجمعة 04-09-2015 20:50


منذ فترة وهناك صراع بين الإدارة الأمريكية ورئيس الوزراء الإسرائيلى. الصراع سيحسم شبه حتميا فى الأيام القادمة لصالح أوباما، مع تمرير الاتفاق النووى مع إيران.

طفى الصراع على السطح مع خطاب نتنياهو فى الكونجرس، الذى رتب له سفيره فى واشنطن، الأمريكى الأصل والناشط السابق فى أوساط الحزب الجمهورى.. ثم جاء كتاب نشره سفير آخر فى واشنطن- أيضا أمريكى الأصل- والذى تحدث فيه بلغة عدائية تجاه أوباما وإدارته.. ثم وصل الصدام لذروته مع الحملة الحادة التى شنها اللوبى الإسرائيلى لإقناع أعضاء الكونجرس لرفض اتفاق أوباما مع إيران.

سيخرج أوباما منتصرا، وليس فقط لأسباب سياسية مباشرة، إنما أيضا لدواع اجتماعية وفكرية، تعكس تحولات فى المجتمع الأمريكى لم يستوعبها نتنياهو، الذى يظل يؤكد للإسرائيليين أنه يفهم أمريكا جيدا، لأنه عاش فيها سنوات عدة.. لكن ذلك كان منذ عقود طويلة، قبل الحرب الكارثية على العراق- التى يتهم البعض (منهم أكاديميون فى جامعات مرموقة) اللوبى الإسرائيلى بتشجيعها، ويخشى الكثير أن تتكرر مع إيران- وقبل تحول اجتماعى له تداعيات فكرية متجسدة فى نظرة للعالم مضادة لنظرة نيتانياهو.

إن نظرت لخريطة الانتخابات الأمريكية الأخيرة ستجد أنه من حيث المساحة فقد خسر أوباما %٩٠ من مساحة أمريكا جغرافيا.. رغم ذلك فاز، لأنه تمكن من السيطرة على بؤر ذات كثافة سكانية عالية فى محيط المدن الكبرى. هذه هى مناطق إنتاج المعرفة والفكر والعلم والصناعة والمال، ومن ثم تنجذب إليها الجموع من جميع أنحاء الولايات المتحدة والعالم، لتعيش فى واقع متعدد الثقافات والجنسيات والعقائد. فى هذه الأماكن تتجسد وتسيطر فعليا، من خلال الممارسة اليومية، أهم المفاهيم البانية للولايات المتحدة؛ تتجسد أخيرا رغم أنها وضعت نظريا منذ أكثر من قرنين من الزمن.. فى مجتمع مبنى من أفراد مستقلين، أحرار فى اختيار طريقة حياتهم وهويتهم، يربطهم مصير مشترك أساسه التعايش من أجل حياة كريمة وحقوق وواجبات مقترنة بمفهوم المواطنة.. هكذا تحدد هوية المجتمع من خلال توافق بين أفراد مستقلين فى إطارمتسامح يتقبل التعددية.

هذا المفهوم، وهو فى أساس فكرة القومية المدنية الأمريكية، فيه الكثير من التناقض مع الفكرة القومية القبائلية التى يتبناها نتنياهو، وهى مستوحاة من الوسط التى نمت فيه القومية اليهودية (أى الصهيونية) فى وسط وشرق أوروبا خلال القرن التاسع عشر. فهذه مبنية أساسا على أن هوية الأمة هى التى تحدد طبيعة حياة الفرد، التى ليس لها معنى خارج هذا الإطار؛ هذه الهوية ليست مبنية فى الأساس على عقد اجتماعى عقلانى، هدفه تنظيم المجتمع لضمان الحياة الكريمة لأفراد مستقلين، إنما على مفهوم تواصل ثقافى جماعى بين الأجيال، مبنى على ميراث من المفترض أنه يرجع لماضٍ ضبابى بعيد، يحكم طبيعة السياسة للدولة.. بدلا من أن تحكم وتحدد الأخيرة، من خلال مبادئ عامة تضمن استقلالية الفرد، وهوية المجتمع.

هكذا يعتقد أمثال نتنياهو، والسفراء من أصل أمريكى الذين بعث بهم إلى واشطن، أن هوية الفرد اليهودى لا يمكن أن تتحق كليا إلا من خلال الدولة اليهودية.. لكن معظم اليهود فى الولايات المتحدة اندمجوا كليا فى مجتمع تعددى يتقبل ويستوعب الاختلاف، فقد تحقق ما اعتقد منظر الصهيونية «هيرتزل» بأنه مستحيل، بعد متابعة قضية الضابط «دريفوس» فى باريس، حين اقتنع بصعوبة تحقق المواطنة الكاملة حتى فى عقر دار حركة التنوير.

هذا التطور يلمس قطاعات واسعة من المجتمع الأمريكى، ويؤدى لتباعد، فى أساسه تلاشى النظرة المشتركة للمجتمع الإنسانى، التى تساعد على تفهم نيات وأساليب السياسات الإسرائيلية كدفاع عن أشياء ذات قيمة.. حتى إذا تمسك اليمين الجمهورى والأجيال القديمة من القيادات اليهودية المسيطرة على اللوبى المنظم بفكرة وجود مبادئ وقيم مشتركة تحكم العلاقة الوثيقة مع إسرائيل.. وذلك بالضرورة له تداعيات سياسية تعكسها قرارات النواب المنتخبين.

أما بالنسبة لنا فى مصر فهناك أكثر من درس. أولا، بالنسبة لمن يعتقد أن المنظمات اليهودية تسيطر بالكامل على القرار الأمريكى فهناك عبرة هنا. ثانيا إذا كان تناقص قوة اللوبى لدى بعض الأوساط الأمريكية يرجع جزئيا لقصور فى فهم تطورات ثقافية واجتماعية داخل الولايات المتحدة، فإدراكنا لها أضيق وأضعف بكثير. ثم اذا كان هناك تناقص فى قدرة اللوبى فى إقناع قطاعات أمريكية واسعة بوجود قيم مشتركة كأساس أعمق لتوحد المصالح مع إسرائيل- كما يؤكد تكرارا- فنحن لا نحاول حتى فى هذا الاتجاه، بل لا نريد أن تكون لنا قيم مشتركة مع العالم ونحتفى بعزلتنا الفكرية والثقافية، وواقعنا السياسى الذى لا يفهمه أحد.. فلماذا نحتار إذا توجس الخارج من أوضاعنا؟ فليس فى الأمر بالضرورة مؤامرة.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية