نسب إلى الإمام على بن أبى طالب، كرم الله وجهه، مقولة «حين سكت أهل الحق عن الباطل توهم أهل الباطل أنهم على حق». تلك المقولة المشهورة والحكمة المأثورة أصابت عين الواقع الذى نعيشه فى فضاء إليكترونى وتليفزيونى يلتقط الكذبة، ويداوم على تكرارها، حتى تصبح أمرا واقعا يستحيل نفيه أو تصحيحه، حتى ولو أقسمت الأيمانات وشهد الشهود.
من تلك الأكاذيب التى تطاردنى حتى كدت أصدقها، قول البعض إننى أملك المشورة فى جزء كبير من ناصية الأمر، والقرار داخل مؤسسة الأهلى، وهو أمر قد يرضى غرور الضعيف، لكنه لا يرضى ضمير من يخاف على هذا الصرح الكبير، ويحرص على نظامه المؤسسى، الذى لن تنال منه هذه الأكاذيب، لكن يراد بها إضعاف من يقودها وهز الثقة فى قراراته حتى يهتز ويسقط، وهذا هو المراد لهؤلاء المتربصين بالأهلى، الذين تقتلهم الغيرة من نجاح تجربة التغيير التى قادها أعضاؤه بكامل إرادتهم الحرة، ورغبتهم الصادقة وأغلبيتهم الساحقة، فى أن يكونوا القاطرة التى تشد هذا الوطن، وتعطى مثالاً فى أن التقدم إلى مرحلة مستقبلية أرقى لن يأتى إلا بوجوه جديدة وبفكر متطور ورغبة صادقة فى العمل التطوعى، بلا مصلحة ولا أجر، وهذا ما آمنت به، واعتقدت فيه، مع تلك المجموعة التى يقودها المهندس محمود طاهر، رئيس الأهلى. فى البداية أرجو أن تلتمسوا لى العذر إن كنت سأتحدث عن نفسى فى بعض المواضع، وهذا ليس من قبيل حب الذات، لكنها الكذبة التى يراد فرضها، ووضعت رغماً عنى طرفاً فيها، بسبب علاقة الصداقة التى تربطنى بمحمود طاهر، وهى نعمة أتمنى أن يديمها الله، فمن النادر أن تجد صديقا مثل هذا الرجل فى هذه الأيام الصعبة، التى تقوقع فيها الناس داخل ذواتهم وهمومهم الخاصة، وغابت عنا قيم الود والتواصل وحب الآخر والحميمية التى كانت تربطنا بالأهل والأصدقاء والجيران، وهذا يقودنى إلى علاقتى بالنادى الأهلى، التى تمتد إلى ما يزيد على ٢٣ عاماً، حيث بدأتها من جريدة «الأهرام المسائى»، وكنت مكلفا بتغطية أخبار الأهلى، وهو أمر لم يكن بالشىء السهل على صحفى مبتدئ، فالقلعة الحمراء مغلقة على أخبارها، وعلى مجموعة من الصحفيين الموثوق بهم لدى الإدارة، لذا كنت أقضى ما يقرب من عشر ساعات يومياً معتمداً على الرؤية فى استقصاء أغلب الأخبار، ومع الوقت، وتلاحق الأحداث، برحيل الكابتن عبده صالح الوحش، وانتخاب الكابتن صالح سليم، وأزمات الكرة والمساحة الكبيرة التى كانت تفردها الجريدة للأهلى، توسعت علاقاتى، وزادت ثقة المصادر فيما أكتبه، حتى ربطتنى علاقة حميمية جداً مع الكابتن طارق سليم، شفاه الله، وكنت أجلس بالساعات أشاهده يلعب التنس مع الكابتن فتحى مبروك وآخرين، وأنصرف معه بعد الحادية عشرة مساء، وفى سيارته أقتنص حواراً أو تصريحاً أو معلومة أعود بها إلى الجريدة، وتجاوزت العلاقة بيننا حدود الصحافة، فقد كنت أستمتع بقصصه وحكايات أسفاره الكثيرة، وخبرته مع الكرة والرياضة، وآرائه الحاسمة القاطعة، وكانت قناعتى بأهميته داخل منظومة الكرة بالأهلى سبباً لبداية خلاف كبير مع الكابتن حسن حمدى، وهو ما دونته فى مقالات منشورة، كان ذلك فى أواخر أيام المايسترو صالح سليم، وبالتحديد قبل وفاته بستة أشهر عندما اشتد عليه المرض وأوكل شؤون النادى لنائبه، وطوال سنوات كنت قريبا من أغلب الأحداث فى الأهلى، الذى بات يعيش بداخلى مهنياً وإنسانياً، وكنت ومازالت أعتبره جزءا من تاريخ الوطن وتراثه وبطولاته، وبات الحفاظ على تماسكه والصراع من أجل تطويره من القيم التى أسعى لتحقيقها من خلال عملى، لذا ففى بعض الأحيان كنت قاسياً فى النقد تجاه الأشخاص الذين اعتقدت أنهم يعبثون بمقدرات هذه المؤسسة أيا كانت مناصبهم أو الحماية الإعلامية والسياسية التى يتمتعون بها.
أعود إلى المهندس محمود طاهر، الذى تعرفت عليه مثل غيرى من الزملاء عندما اختاره صالح سليم عضواً معينا فى مجلس عام ٩٦، ووجدته يتعمد الانزواء والهروب من الإعلام، لكن هذه الحالة انفرجت بعض الشىء عندما انتخب عضواً لمجلس الإدارة على قائمة المايسترو عام ٢٠٠٠، وأعجبنى حماسه وتوليه ملف الميكنة الإليكترونية للنادى، وهى أفكار لم أكن أسمع أحداً يتطرق إليها فى الأندية، ليجمعنى لقاء لساعتين به فى حضور الصديق جمال العاصى، ووجدتنى أمام شخص مختلف من نوعية غريبة على الوسط الرياضى، فهو حسن النية، رفيع الخلق، عفيف اللسان، متفتح العقل، والأهلى بالنسبة له هو المدينة الفاضلة، لا يرى فيه عيباً، والعاملون به من الملائكة، وعبثاً حاولت أن أشرح له أن الأمور مختلفة، وربما معقدة، وأن علاقات المصالح متشابكة قد تحكم بعض قرارات المنظومة، لكنه كان يأبى أن يصدق حتى صدمته الأحداث فى عام ٢٠٠٤، وهنا لا أنسى مشهداً ترك بداخلى بصمة دفعتنى لأن أتمسك بصداقة هذا الرجل، عندما اشتد عليه الهجوم وقت الانتخابات التى خاضها على منصب أمين الصندوق، ووقتها اتهمه البعض بأنه يتاجر بعلاقته بصالح سليم، وهى علاقة على قدر قوتها كانت مغلقة ويرفض الحديث عنها، ووقتها وأمام هذه الحملة المسعورة تدخلت زوجة المايسترو، وطلبت من نجليها هشام وخالد سليم الوقوف إلى جوار محمود يوم الانتخابات، لكنه تحدث إليها ورفض عرضها بشدة، مؤكداً أنه سينسحب إذا ظهر أحدهما، وهو موقف أظهر لى مدى نبل الرجل وحرصه على عدم المتاجرة بأحد حتى ولو كان على حساب مصلحته الشخصية. وابتعد طاهر عن الأهلى، وبدلاً من أن تنقطع علاقتنا زادت توطداً وحميمية، ولسنوات طويلة جمعتنا صداقة خالية من أى غرض، وكنت كل يوم أزداد قناعة بأن من الخسارة ألا تستفيد منه الرياضة والأهلى، فهو يملك الكفاءة والإخلاص فى العمل والفكر الأوروبى والرؤية المتفتحة والرقى فى الحوار، وجاءت الانتخابات الأخيرة لينجح باكتساح، وأهم من الفوز على المنافس كانت الرسالة التى فهمتها على أنها رغبة من الأعضاء فى التغيير واقتناع بأنه ومجموعته هم القادرون على إحداثه.
ودعونا نجنب الصداقة أو الرؤية الشخصية، فهى بالتأكيد متحيزة، ولكن يبقى أن إيمانى بالفكرة واعتقادى أن محمود طاهر ومجموعته قادرون على قيادة الأهلى إلى منطقة جديدة تضع النادى على أعتاب الأندية الأوروبية بمنظومتها الاقتصادية الرياضية القوية، وهى الموضوع الأهم الذى يراد إفشاله بالتسفيه من قوة هذا المجلس ونجاحاته (للتذكرة، فإن الأهلى فاز فى عهد هذا المجلس بثلاث بطولات كروية) وهى أمور باتت ملموسة، وأكدت أننى وآخرين من هذا الجمع الذى تحمس لهذا الرجل وأفكار تلك المجموعة كنا على حق، فالأهلى لمن لا يعرف يشهد الآن طفرة اقتصادية جبارة ومثبتة بالأرقام، فالخزينة بعد أن كانت خاوية إلا من ١٨٠ ألف جنيه، قبل عام ونصف العام، باتت أرصدتها تزيد على ٨٠ مليون جنيه، والنادى الذى كان مدينا بـ١٣٠ مليون جنيه سدد ٧٠ مليونا، وقريباً سيعلن النادى الوحيد فى مصر الذى سدد كل ديونه للضرائب وديون لاعبيه القدامى وأوفى بمستحقات لاعبيه الجدد، وتعاقد مع لاعبين سوبر بـ٥٠ مليون جنيه، لم يرتد منهم شيك، إضافة لطفرة إنشائية لثلاثة فروع تجاوزت تكلفتها ٧٦ مليون جنيه، فمن أين جاءت هذه الطفرة فى هذه الظروف الصعبة التى يمر بها البلد؟ بالتأكيد من فكر اقتصادى متطور وإرادة صادقة وعمل مخلص.
فهل أكون مخطئا لانحيازى لمستقبل الأهلى الذى هو أهم من الأشخاص وأى علاقة، ومن لديه غير ما أقول يأتى ليناظرى؟ والأكيد أنه حتى لو كنت مخطئاً فى انحيازى للمستقبل فهذه قناعتى، وسأظل أدافع عنها بالحق والأرقام والوقائع لا بالصداقة التى باتت فى هذا الزمن السفيه عورة.