x

ناجح إبراهيم تجسيد الأنبياء فى الدراما بين الإباحة والحظر ناجح إبراهيم الخميس 03-09-2015 21:49


■ أنتجت إيران مسلسل «يوسف الصديق»، والذى تم دبلجته إلى عدة لغات منها العربية.. مما مكن المشاهدين المصريين والعرب من مشاهدة المسلسل.. وقد حاز المسلسل نسب مشاهدة تليفزيونية عالية.

■ كما حازت النسخة العربية إعجاب الملايين حتى تسمرت الأسر المصرية أمام الشاشة وقت عرضه.. وقد وجد فيه الكثيرون انضباطاً كبيراً ومحاولة جادة للتناغم مع الرواية القرآنية والتاريخية الصحيحة ما أمكنهم ذلك.. فضلاً عن الحفاظ على قداسة النبى العظيم يوسف عليه السلام الذى يحظى بمحبة خاصة من المسلمين، ومن أهل الأديان عامة.. وقد ساعد على ذلك أن قصة سيدنا يوسف هى من القصص القليلة التى استكملها النص القرآنى العظيم من بدايتها لنهايتها فى سورة واحدة.

■ وقد أخرجت إيران هذه الأيام فيلماً تم فيه تجسيد شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم.. وهذه أول مرة يتم فيها تجسيد شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم مما أعاد الجدل القديم الجديد حول تجسيد شخصيات الأنبياء فى أعمال درامية.

■ والحقيقة أننى لم أشاهد هذا الفيلم حتى أحكم عليه بخلاف مسلسل «يوسف الصديق» الذى حرصت مع أسرتى على متابعته مرات.

■ والآن يتجدد السؤال القديم الجديد:

■ هل يجوز تجسيد الأنبياء على الشاشة وفى الدراما.. أم لا يجوز؟!

■ والحقيقة أننا أمام رأيين شهيرين إزاء هذه المسألة ظاهرهما التناقض وحقيقتهما التكامل.. وسبب الخلاف هو غياب النص قطعى الدلالة من القرآن أو السنة الذى يبيح ذلك أو يحرمه.

■ ونعرض فى عجالة للرأيين وحجة كل منهما:

■ أولا: رأى فقهاء الشيعة:

■ وهو يذهب فى معظمه إلى جواز ذلك استنادا إلى أن الأصل فى الأشياء الحياتية غير التعبدية هو الإباحة.. وأن الحظر لابد له من دليل وما دام الدليل غير موجود فالإباحة هى الحكم.. إلا أن الإخلال بقداسة الرسل أو تشويههم أو تشويه رسالتهم أو تحريفها عن طريق الدراما قد يحول هذه الإباحة إلى الحرمة.. ويستندون أيضا إلى أنه ما دامت هذه الدراما تساهم فى نشر رسالة هؤلاء الأنبياء وتحيى ذكرهم وتذكر برسالتهم السامية وترفع قدرهم.. ولا يكون فيها ما يسىء إليهم أو يشينهم.. فإن هذه الدراما والتجسيد يصبان فى الإباحة إن لم يكن الندب والوجوب.

■ أما الرأى الآخر فيرى حرمة تجسيد الأنبياء على الشاشة فى أى عمل درامى يظهرهم بأشخاصهم.. وهذا ما استقر عليه رأى معظم فقهاء أهل السنة.. ولم أعلم لهم فى ذلك مخالفاً، حسب علمى القاصر.

■ وعلة التحريم عندهم تتمثل فى عدة نقاط أهمها:

■ أولاً: إن تجسيد الأنبياء على الشاشة ينتقص من قدسيتهم ويخدش مكانتهم.. وخاصة إذا قام بدورهم ممثل معروف بانحراف سلوكه أو فساد أخلاقه.. أو مثل قبله أو بعده أدوار الفجور والعرى والإدمان والخمر.. فأنبياء الله جميعاً عليهم الصلاة والسلام ليسوا بشراً عاديين مثل غيرهم.. ولكنهم موصولون بالوحى الإلهى.. وقد اصطفاهم الله تعالى على العالمين لعلة تبليغ الرسالة وإيصال الأمانة.. وتجسيدهم على الشاشة قد يضر بهذه القداسة والاصطفاء.

ثانياً: أنبياء الله الكرام عليهم السلام لهم فى خيال الإنسانية صورة تقارب الكمال الذى لا يستطيع بشر تصويره ورسمه أو تجسيده فى مسلسل أو فيلم.. وقد يكون فى تجسيدهم عن طريق ممثلين إهدار وتشويش لتلك الصورة المقدسة المتخيلة فى ضمير البشرية عنهم.

■ ثالثاً: تجسيد الأنبياء فى الدراما قد يكون ذريعة لخلط الحق بالباطل فى سيرتهم واتخاذ هذه السيرة ملعبة لأهل الأهواء والأغراض أو الساسة أو الفرق المذهبية لتحريف سير الأنبياء من خلال القصة والسيناريو والحوار.. وينبغى سد هذه الذريعة.

■ رابعاً: الفن الإسلامى بطبيعته لا يعتمد كثيراً على التجسيد المباشر ولكنه يعتمد على التجريد.. بحيث يكون التجسيد لا يشمل كل الشخصيات ولا تكون الغلبة للتجسيد على التجريد.. ولا للمادة على الروح.. ولا للمظهر والشكل على القيمة والجوهر والمعنى.. وذلك حتى يستطيع المتلقى أن يضيف أشياء من خياله تتجاوب مع القصص القرآنى والنبوى ويستطيع أن يضيف معانى جديدة ويتخيل آفاقاً بعيدة للقصص القرآنى والنبوى.. وهذا ما عايشته البشرية مع قصة سيدنا يوسف كأعظم قصة متكاملة جاءت فى القرآن.

■ وبالتجريد نكون قد حافظنا على قدسية رموزنا وبقيت صورتهم فى خيالنا كما هى.. بدلاً من الهبوط بمقدساتنا إلى درجة أقل مما هى عليه فى خيالنا وضمائرنا.. قد يقرأ الواحد منا سورة يوسف آلاف المرات فلا يمل منها ولا يسأم، لسر دفين وبركة خفية جعلها الله من أسرار كتابه الكريم.

■ أما إذا رأى مسلسل يوسف الصديق رغم جودته مرتين فقد يسأم منه أو يتحول عنه.. والفرق ما بينه وبين قصص القرآن والدراما كالفرق بين الإلهى والبشرى والسماء والأرض.

■ الثوابت والمتغيرات فى تجسيد الأنبياء والصحابة فى الدراما:

■ تعظيم الرسل والإيمان بهم جميعاً وتوقيرهم وعدم الكذب عليهم والصدق فى الرواية عنهم من ثوابت الإسلام التى لا خلاف عليها.

■ أما قيام ممثل بتجسيد أحد الأنبياء فى عمل درامى.. فهذا من المتغيرات التى تخضع للفتوى والاجتهاد من المجامع الفقهية.. التى ينبغى عليها أن توازن بين مصلحتين إحداهما قدسية الأنبياء وتعظيمهم.. والثانية مصلحة تعريف الناس برسالتهم ودعوتهم إليها من خلال الدراما.

■ وعلى هذه المجامع الفقهية أن تصل إلى صيغة تجمع بين الأمرين أو تسعى مع أصحاب هذا الفن لابتكار طرق درامية جديدة تجمع بين الغرضين إن أمكن الجمع بينهما.. فإن لم يمكن الجمع بينهما فقدسية وتعظيم الأنبياء أولى بالرعاية والعناية والاهتمام والله أعلم.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية