x

حلمي النمنم حدث فى مستشفى خاص حلمي النمنم الثلاثاء 01-09-2015 21:28


شعرت والدته بالمرض، وبعد متابعة وتنقلات بين الأطباء والعيادات، تقرر أنها بحاجة إلى جراحة لإزالة المرارة، وتم تحديد مستشفى خاص ومتخصص فى هذا النوع من الجراحات بمنطقة راقية فى القاهرة.

حدد لهم الطبيب موعد دخول المستشفى وتكلفة الجراحة، دخلت المريضة فى الموعد المحدد، ودفعوا ربع المبلغ المتفق عليه، وهو مبلغ ضخم، يفوق المألوف فى هذا النوع من الجراحات، وبعد ساعتين جاء مندوب من إدارة المستشفى يعلم المريضة أنه لابد من تسديد المبلغ بالكامل قبل دخول غرفة العمليات، وكان أن دفعوا، وباتت المريضة ليلتها وجرى تجهيزها للجراحة صباح اليوم التالى، ولكن فى الصباح اعتذرت إدارة المستشفى، وقررت تأجيل العملية لمدة 48 ساعة، والسبب أن غرفة العمليات بها مريض يصعب السيطرة على حالته، لم يكن أمام السيدة المريضة أى بديل آخر، اصطحبها نجلها وهو رئيس تحرير مرموق بإحدى المؤسسات القومية.

فى الأسانسير، والدته وهو، التقيا سيدة أخرى بصحبة نجلها، وهو صبى، التقت السيدتان وجهًا لوجه وكل منهما بادية التأفف والتوتر، وراحت الأخرى تحكى معاناتها، أن هذه هى المرة الثانية التى تأتى بابنها إلى المستشفى لإجراء جراحة، وفى كل مرة يقال لها إن غرفة العمليات ليست خالية، لأن بها مريضا تصعب السيطرة على حالته، رغم أنها دفعت المبلغ بالكامل، والمشكلة أنها تأتى بابنها إلى المستشفى دون أن تخبر والده المريض حتى لا يتأثر معنويًا، وتفضل أن تجرى الجراحة للولد ثم يحاط الوالد علمًا.

للوهلة الأولى، وحتى الآن، تتصور كل من السيدتين أن المستشفى به عنصر انتهازى أو عملية نصب للحصول على المقابل المادى كاملاً ثم يتركون المريض ينتظر تحت رحمة الظروف، مع عدم مراعاة الآلام التى يعانيها، فضلاً عن المخاوف الإنسانية من جراء انتظار إجراء الجراحة، وأما مسألة إهدار الوقت وعدم الاعتراف بقيمته، فتلك قضية وثقافة أخرى.

لكن طبيبا شابا يطرح تصورا آخر، مفاده أن ذلك المستشفى ربما يقوم بجراحات نقل الأعضاء غير القانونية، وأن هذا النوع من الجراحات يدر عائدًا ماليًا ضخمًا، ولابد أن تجرى بسرعة شديدة وفى سرية تامة واحتياطات خاصة، لذا تحجز غرفة العمليات باسم مريض عادى، وفى اللحظات الأخيرة يتم تغيير المواعيد واستبدال الأسماء، ما يطرحه الطبيب الشاب تصور خاص به، ربما يصدر عن وعيه وخبرته الشخصية، لكن لا يمكننا اعتماد ما يقوله كحقيقة واقعة، إنه يبقى مجرد احتمال مطروح والأمر متروك فى هذه الحالة للجهات المعنية، خاصة أن المستشفى محل واقعة التأجيل ذو اسم رنان وشهير فى تخصصه.

ما يعنينا هو تدنى الخدمة الطبية التى يلقاها المواطن المصرى، قد يكون مفهومًا أن المستشفيات العامة عليها زحام وأن الأسرّة بها محدودة، وغرف العمليات كذلك، فضلاً عن أن المريض لا يتكبد نفس التكلفة المالية، أقول إنه يمكن تفهم ذلك لكنه ليس مبررًا ولا يعنى قبول تدنى الخدمة للمواطن وإهماله على نحو ما حدث فى معهد القلب، لكن ماذا عن تلك المستشفيات الخاصة، التى تحاسب المريض على المقابل المادى كاملاً لإجراء الجراحة بكل مشتملاتها، ويحاسب على الإقامة بالمستشفى وبأسعار الفنادق الكبرى، وقد تزيد.

إذن، ما هو المبرر لتلك المعاملة التى يتلقاها المرضى، وهى معاملة أقل ما يقال فيها إنها ليست إنسانية ولا طبية!!

فى مصر أطباء كبار وعالميون، تزدان بأسمائهم كبرى المستشفيات بالعالم كله، ولدينا مستشفيات متميزة لكنها قليلة، والنمط العام من إدارة المستشفيات والتعامل مع المواطنين بحاجة إلى مراجعة جذرية.

الأصل فى الأشياء أن المستشفى يقدم «خدمة» للمواطن، لكن القاعدة مقلوبة عندنا، بعض المؤسسات والجهات الخدمية، يتصور القائمون عليها أنهم يتعطفون على المواطن الذى يلجأ إليهم «مضطرًا ومحتاجًا»، إنها النظرية القديمة البالية التى قالها أحدهم يومًا لمواطن وقع فى حقه ظلم بيّن «إنت اتشرفت بمعرفتنا»، المشكلة الحقيقية أننا تصورنا أن المؤسسات التى تقدم خدمات على طريقة القطاع الخاص وليست حكومية، سوف تكون مبرأة من العنت والمعاناة التى يلقاها المواطن فى القطاع العام، فإذا بها أصعب فى بعض الممارسات والمواقف.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية