اندلعت احتجاجات أمناء الشرطة فى محافظة الشرقية وتصاعدت لدرجة حدوث مواجهة بين الأمناء المحتجين والأمن المركزى ثم هدأت الأزمة بعد تدخل قيادات وزارة الداخلية وتم ترحيل وتأجيل حل المشكلة لوقت لاحق لكن صاحب ذلك حملة إعلامية ضارية كان هدفها شيطنة أمناء الشرطة بشكل عام وشحن الناس بمشاعر الكراهية تجاههم بدءا من اتهامهم بتلقى أموال من الإخوان ومرورا بنشر أرقام مرتبات ضخمة مبالغ فيها لتنقل للناس رسالة واحدة هى أن هؤلاء المحتجين يمارسون ابتزاز الدولة ويريدون الحصول على زيادات مالية لا حق لهم فيها، الغريب أن الاعلاميين الذين كانوا يبررون أى خطأ للشرطة ويطلبون من الناس التغافل عنه لعدم الإساءة لجهاز الشرطة تحولوا فى يوم وليلة إلى رؤوس حربة فى تشويه أمناء الشرطة وتخوينهم واستعارة مصطلحات من نوعية (جمهورية أمناء الشرطة) و(فساد أمناء الشرطة) و(جشع أمناء الشرطة) و(تهديد أمناء الشرطة للأمن القومى) وغيرها من الشعارات التى تجسد مأساة الإعلام فى مصر الذى تتغير مواقفه جذريا فى يوم وليلة بحثا عن نفاق السلطة والتقرب منها.
طبعا انتهاك أمناء الشرطة لقانون التظاهر الذى تم حبس عدد غير قليل من شباب مصر بسببه ليس فى إطار اهتمام هذا الإعلام غير المهنى ولا يمكن أن يتحدث عن هذه النقطة التى تمثل حرجا شديدا للسلطة لكنه لا يبالى بتشويه أمناء الشرطة بشكل عام دون أى استثناء طالما أنهم قرروا الاحتجاج بحثا عن حقوق يرونها مشروعة لهم لأن المبدأ الحالى أن من يحتج أو يعارض أو يطالب بحقوقه فهو خائن وعميل ويعمل ضد المصلحة الوطنية!
الإنصاف يقتضى أن نقول إن أمناء الشرطة ليسوا ملائكة ولا شياطين وبينهم من يجسد نماذج رائعة من الاحترام والمهنية وبينهم من يسىء لجهاز الشرطة بأكمله ويجب إبعاده لتحجيم ضرره، ولا يمكن أن يكون رفضنا للممارسات السلبية التى يتورط فيها بعض الأمناء سببا لقبول هذا الانتقام الإعلامى الممنهج تجاههم.
كل صاحب حق يجب أن نحترم مطالبه ونسمع لها وندرسها لنتبين هل هى مطالب مشروعة أم لا؟ احتجاجات أى فئة من المصريين بحثا عن مطالب اجتماعية واقتصادية لا يجب أن تكون سببا لتخوينهم وتشويههم فالناس لا تصرخ إلا إذا شعرت أن حقوقها مهدرة وأن هناك تمييزا وتفضيلا لبعض الفئات على الأخرى.
ماكينة التشويه الإعلامى التى انطلقت ضد السياسيين والمعارضين قبل ذلك لإزاحتهم من طريق النظام لن تستطيع أن تكون ذراع النظام ولا أداته الأساسية لقمع الاحتجاجات الاجتماعية التى لن يمكن احتواؤها إلا عبر خطة واضحة تعتمد على تحقيق العدالة الاجتماعية وتحسين الظروف الاقتصادية بشكل يلمسه الناس بشكل مباشر.
الاحتجاجات الاجتماعية ستتصاعد يوما بعد يوم فى ظل تراجع الاقتصاد وتصاعد نار الغلاء الذى يعصف بالمصريين بمختلف فئاتهم، عدم وجود أداء سياسى واحتواء مجتمعى قائم على أسس وقواعد منطقية وحقيقية سيدخل البلاد فى نفق مظلم من عدم الاستقرار واستمرار سياسات البلطجة الإعلامية الموالية للسلطة سيفاقم المشاكل ويزيد من حالة الاحتقان والكراهية وما يفعله هؤلاء ويحسبونه دعما للنظام هو هدم فى النظام وتوسيع لدوائر أعدائه وخصومه.
ترهيب الناس وتخوينهم لن يمنعهم من الصراخ إذا جاعوا فلنتعامل مع جذور المشاكل بعقلانية ولننس أساليب الماضى التى فشلت بجدارة.