x

مصطفى حجازي وهمُ «القُصُور».. مصطفى حجازي الأحد 30-08-2015 21:32


«الأزمة» هى الاقتصاد.. و«الحُلم» هو الاقتصاد..!

هكذا يعظوننا بِجِديّةٍ «حادة» أكثر منها «جادة»..!!

الاقتصاد هو المعضلة يا «بشر».. وأنتم تكابرون! فقر الموارد ضاغط..! مصر فى أزمة..! الأزمة طاحنة.. «حِسُّوا بقى»..!

هكذا يَنهرونَنا وهم يُلقنوننا.. أو يَنهروننا وهم يَتَلمسون العُذر..!!

مؤدى الرسالة التى يُحيُوننا إياها لمدة ستين عاماً لم تنقطع - بتجهم يتلبس العمق لكى يدرأ شبهة السطحية - هو أن «الأزمة» تكمن فى بيت «الاقتصاد المصرى الخَرِب والذى نحن لا نبالى به..!» وأن «الحُلم» هو بناء «قصر اقتصادى» منيف.. على «فدادين خمسة.. خمسة فدادين».. عنوانه «الرخاء».. وهو «من أجلك أنت».. وقد يسمى «النهضة».. قصر «قد الدنيا» أو «فوق الدنيا».. كل هذا ونحن معدومو التضامن معه..!

من هُم..؟!

هم القائمون على مناخ «الزجر العام» صناعة وتواصلاً ووعظاً وقمعاً..!

أى كانت مواقعهم ومناط سلطة «الوعظ» التى أسبغتها عليهم دولة كانت أو دولة ستكون.. أو أسبغوها هم على أنفسهم..!

فيهم «حَسُن النية» محدود القدرة «التائه»..و«المخلص المتحمس» الذى يحيا «خارج العصر».. ومنهم «الواعى» «المغلوب على أمره».. فَهِموا أو أُفهِموا أن السلطة تورث الأهلية.. فكان ما نحن فيه..!!

وحولهم البذىء واعظ الخلق.. والجاهل مُفَنِد العلوم.. والسفيه الذى يؤصِل للمنطق.. من أسبغوا على أنفسهم - وهم يقمعون المجتمع بالهذيان والتغابى - وظيفة زعيم أمة ومُفجر ثورة أو مُحارب فساد ومُصلح خلق أو خبير أمن واقتصاد..!

قالوا قبلنا.. «لا تستطيع أن تبنى قصوراً اقتصادية على تربة سياسية رخوة»..!

قالها من بنوا دولاً وأنهضوا شعوباً بالحلم المبصر والأمل الرشيد والعقل المعنى بالعلم.. وبحد أدنى من القيم والخُلُق دون ادعاء خيرية أو كرامات أولياء أو فرط تدين..!

وبمثلها نقول لا تستطيع أن تبنى قصورا سياسية على تربة مجتمعية رخوة.. ولا تستطيع أن تبنى قصورا مجتمعية على تربة إنسانية رخوة..!

يعنى وببساطة.. إن لم يؤسس الاقتصاد على حد أدنى من منطق سياسى لإدارة ممارساته وشرعية توزيع ثماره سينهار مهما علا بناؤه..!

وإن لم تؤسس السياسة على حد أدنى من قواعد مجتمع يؤمن بملكيته لوطنه.. مجتمع واعٍ بطبيعة عصره ومنتمٍ له.. فستكون اللعبة الأساسية هى دسائس القصور من أجل عروش متآكلة..!

وإن لم تنشأ عقيدة المجتمع فى عقول ووجدان بشر يؤمن بكونه أناسيا ولا يقبل بأن يقايض فطرته على لقيمات وبعض أمن.. فالمآل أن المجتمع يصبح قطيعاً يسوقه صاحب السوط الأقسى وصاحب الصوت الأجش.. وليس بالضرورة يساق إلى نجاته ولا حتى إلى بقاء دولته..!

الكلام يبدو كلام «أفندية أراذل» بتعبير الرئيس السادات رحمة الله عليه..!

و لهذا ببساطة أكثر.. أن تهتم فقط بتوفير الغذاء لحشد جائع مضطرب متوتر متحارب دون أن «تسوس» جموعه - بشرعية «العدل» - ليس رغبة فى قمع عفوية إنسانيتهم.. ولكن أملاً فى ألا يبدد اضطرابهم الزاد القليل.. وألا يتقاتلوا عليه.. فلا هم ينالون كرامة حياة ولا رحمة موات.. فأنت تحرث فى الماء.. وإن صدقت نواياك..!

وألا تجتهد فى أن «تُرَقّى وعى» هؤلاء لكى يعرفوا أن وجودهم فى مجتمع هو قَدَرُ ملزم بأن يتكاتفوا لإيجاد القوت بعقلية عصر إنسانى ينتمون إليه.. وأن يتكافلوا فى توزيعه.. فلا قيمة للزاد حتى وإن وُجِدَ.. وليست «ليبيا» عنا ببعيد..!

أخيراً.. يا سادة.. المأزومون لا يقوون على الحلم.. ومبتورو الخيال يقتلونه..!


ولهذا أصبح فصل مسار الأزمة عن مسار الرؤية.. ضرورة حالّة.. وفصل مسار التنفيذ التكتيكى عن مسار الاستراتيجية.. واجب وطنى لا يقبل التأخر فيه ولا المماراة فيه ولا البحث عن مخارج للالتفاف عليه من أرشيف الزجر العام..!

و لهذا أيضاً وإن بدا أن حق الهذيان والكذب مكفولان لكل مواطن..فإن يتحولا إلى عرف يؤسس للاستقرار وإلى نهج مجتمعى يحمى الناس من جُرم العقل والتفكير..! فهذا يؤثم القابلين به قبل القائمين عليه..!

و لهذا أيضاً وإن كانت محدودية الكفاءة قَدَرُ إلهى - فى مجتمع تصحر لمدة ستين سنة - فإن تكريسها بمصادرة تربة الإبداع والسعى إلى «تأميم الكفاءات والعقول».. «إثمُ» لن يعذر أحد فيه بجهل.. !

الحقيقة أن «الأهلية» قبل الاقتصاد هى المعضلة..! وأن فقر «الفكر» وفقر «الخيال» وفقر «العلم» وفقر «الحياء» وفقر «القيم».. كل ذلك قبل فقر الموارد هُمُ الضاغط..!

وأن مصر فى أزمة.. نعم.. ولكن لو لم نقرأها على هذا النحو فالأزمة ليست طاحنة لأنها قد تكون - ولا قدَّر الله - قاصمة..!

فكِّروا تَصِحُّوا..

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية