لقد حلت أمس الأول الجمعة، الذكرى الثانية لفض تجمعى «رابعة العدوية» و«النهضة»، وهو الفض الذي تلا إسقاط حكم «الإخوان»، وأدى إلى سقوط مئات القتلى والجرحى بين صفوف المتجمّعين وقوى الأمن والمدنيين.
تحولت «رابعة» إلى شعار يتبناه تنظيم «الإخوان» والجماعات الإرهابية والتكفيرية المتحالفة معه، وهو شعار يستند إلى مظلومية مزعومة مفادها أن «عقيدة قتل» تكونت لدى سلطات «مسار 30 يونيو»، وأدت إلى سقوط ضحايا بين صفوف المتجمعين في ميدانين من ميادين القاهرة، في مثل هذا الوقت قبل عامين.
وعشية الذكرى، صدر عن تنظيم «الإخوان» وحلفائه ما سُمى «نداء الكنانة»، وهو عبارة عن بيان وقع عليه عشرات من أعضاء تنظيمات الإسلام السياسى، الذين وصفوا أنفسهم بأنهم «علماء الأمة».
وأبرز ما جاء في هذا النداء كان محاولة تحويل «ذكرى رابعة» إلى شرارة لبدء «حرب دينية»، تحت دعوى أن «الدفاع عن النفس والعِرض والمال حق مشروع وواجب شرعى ضد المجرمين والقتلة من أعضاء النظام الحالى ومن يساندهم من إعلاميين وسياسيين».
ويذهب هذا النداء أيضاً إلى اعتبار أن «أحكام الإعدام بحق الرئيس مرسى والإخوان تأتى في سياق محاربة الدين»، وهو أمر يأخذ الصراع السياسى في مصر إلى منحى دينى، ويهدد بإشعال النزعات الإرهابية استناداً إلى المظلومية المدعاة من جهة وإلى «الذود عن الدين» من جهة أخرى.
مازالت تلك الجماعات الإرهابية تريد أن تشعل حرباً دينية في مصر، استناداً إلى تلك المظلومية المزعومة، وقد بدا ذلك واضحاً في الفيديو الذي نشرته الزميلة «الوطن» للقيادى في «الجماعة الإسلامية» عاصم عبدالماجد، قبل يومين، وهو الفيديو الذي يبرر فيه «الاعتصام» في «رابعة» بـ «مواجهة ما يقوله بعض النصارى وبعض البلطجية من أن 30 يونيو نهاية الإسلام في مصر».
في هذا الفيديو أيضاً حرص عبدالماجد على توضيح السبب الرئيسى لحشد الناس في «رابعة»، والذى حدده ببساطة في كلمتين: «تقسيم الجيش».
يأخذنا هذا إلى ما نشره الزميل الأستاذ حمدى رزق في مقاله أول أمس الجمعة منسوباً إلى القيادى «الإخوانى» حمزة زوبع من قوله بأن «رابعة» كانت «نوعاً من الضغط الكبير لإعادة المشهد إلى منطقة التفاوض السياسى».
أريقت دماء كثيرة في «رابعة» و«النهضة»، وهو أمر لا يمكن أن يتقبله منصف أو يتجاهله عاقل، لكن الأيام توضح من كان يريد صنع هذا الدم، وكيف كان يريد استخدامه.
قبل شهور، كان المجلس القومى لحقوق الإنسان قد أصدر تقريراً بخصوص فض «تجمع رابعة»، وهو التقرير الذي بدا متوازناً ودقيقاً بدرجة تسمح لكل من يطلع عليه بمعرفة حقائق ما جرى وتدقيق وقائعه بشكل منهجى وموثق وعادل.
أهم ما توصل إليه التقرير أن التجمع الذي بدأ سلمياً تحول إلى «اعتصام مسلح»، بعدما انضم إليه مسلحون بمعرفة «الإدارة»، وأن هؤلاء المسلحين بادروا بإطلاق النيران ضد قوات الأمن، حيث كان أول قتيل في عملية الفض ضابطاً من ذوى الرتب العالية.
وأوضح التقرير أيضاً أن قوات الأمن المنفذة لعملية الاقتحام وإن توافرت لها حالة الضرورة في استخدام الأسلحة النارية، وحافظت على التناسب النوعى بين الأسلحة المستخدمة، فإنها أخفقت في الحفاظ على التناسب في كثافة الإطلاق على مصادر النيران من قبل العناصر المسلحة، التي كانت تتحرك وتطلق النيران من وسط المعتصمين، بما يمكن وصفه باستخدامهم المعتصمين كـ «دروع بشرية»، جعلتهم في مرمى نيران قوات الأمن طول فترات الاشتباكات.
لا يجب التغاضى عن محاسبة أي مخطئ، ويجب تحقيق القصاص وإقرار العدالة بحق كل من أسال دماً أو تسبب في إسالته بغير حق.
لكن التفاصيل التي تتضح عما جرى في «رابعة»، يوماً بعد يوم، تشير بوضوح إلى أن الرغبة في الحشد كانت تستهدف «التفاوض» و«تفكيك الجيش» و«اصطناع مظلومية»، وليس «حماية الدين» أو حتى «إعادة مرسى». وببساطة فقد كان هناك من يخطط ويحشد وينفذ لكى يموت هؤلاء ويتاجر بدمائهم.
ولذلك، فقد مرت الذكرى الثانية لـ «رابعة» من دون تغيير جوهرى، في ظل هذا الحر الشديد، وهذا التحفز المشوب بالأمل لدى قطاعات كبيرة من المصريين، الذين يريدون تجاوز الماضى وبناء دولتهم من جديد.