x

عبد الناصر سلامة الصمت العُمانى عبد الناصر سلامة الإثنين 10-08-2015 21:56


إذا علمنا أن سلطنة عُمان، بحكم موقعها الجغرافى، هى أول دولة عربية تشرق عليها الشمس، لما اندهشنا من تلك السياسة العمانية الداخلية والخارجية، التى كانت دائماً وأبدا محل اهتمام العالم، وها هى الآن، وفى الفترة المقبلة سوف تكون محل انبهاره، فمن تشرق عليه الشمس أولا يجب أن يكون على قدرها، وإذا علمنا أن حضارة العمانيين كان لها أكبر الأثر من كينيا، وزنجبار، وتنزانيا فى أفريقيا، حتى الهند، وباكستان، وسنغافورة فى آسيا، لأدركنا أننا أمام دولة كبيرة من كل الوجوه، آن للضالين أن يستفيدوا من خبراتها، حتى لو كانت لا تتحدث كثيرا، أى تعمل فى صمت، فقد يكون ذلك هو سر التميّز العُمانى، بعد أن أثبتت الأيام أن وراء هذا الصمت الكثير من الكلام.

ربما نكون بدأنا ندرك فى مصر حنكة السياسة العمانية، منذ ذلك الموقف العُمانى الخالد فى سبعينيات القرن الماضى، وتحديدا مع توقيع اتفاقيات كامب ديفيد مع إسرائيل، وقت أن اتخذ العرب قرارا جماعيا بالمقاطعة إلا سلطنة عمان، وحينما نقول هنا سلطنة عمان فإننا نعنى سلطان عمان، السلطان قابوس بن سعيد، الذى قاد بلاده، منذ توليه مقاليد الحكم عام ١٩٧٠، إلى سياسة خارجية من نوع رفيع، محورها الأول والأخير عدم التدخل فى شؤون الآخرين من جهة، ونشر ثقافة السلام، ونبذ الحروب من جهة أخرى.

من هنا رفضت السياسة العمانية احتلال العراق للكويت عام ١٩٩٠، وفى الوقت نفسه رفضت العدوان على العراق، رفضت احتلال إيران جزر الإمارات، إلا أنها رفضت جر المنطقة إلى معارك لا تُحمد عقباها، هى عضو فاعل فى مجلس التعاون الخليجى، إلا أنها رفضت تحويله إلى اتحاد أشبه بتحالفات الحرب، قد تكون للسلطنة ملاحظات على السياسة القطرية خلال السنوات الأخيرة، إلا أنها رفضت سحب السفير، كما فعلت دول متهورة أخرى، إيمانا منها بأن هناك ثوابت لا يجب المس بها.

بعد ذلك أعلنت بعض دول التمويل الخليجية، وبعض التوابع، ما تسمى عاصفة الحزم، للعدوان على اليمن، أيضا إلا سلطنة عمان، التى رأت أن المفاوضات هى أقصر الطرق للوصول إلى حل الأزمة، وها هم السفراء يعودون إلى قطر، وها هى المفاوضات بين الأطراف اليمنية تستضيفها عمان، ثم بعد ذلك يكشف الاتفاق الأمريكى- الإيرانى أنه كان برعاية عمانية خالصة، وها هى العاصمة العمانية تستقبل أخيرا وزير الخارجية السورى وليد المعلم، فى أعقاب مباحثات له فى كل من موسكو وطهران، فيما يشير إلى دور عمانى فاعل الآن، حتى فى حل الأزمة السورية.

هذه هى عمان بقيادة السلطان قابوس، التى بدا أنها تعمل، وعلى مدار الساعة، فى صمت، من أجل تحقيق هدف وحيد، وهو استقرار المنطقة، هذا المصطلح الذى توارى خلال السنوات الخمس الماضية خلف تصريحات صبيانية اعتلت سدة صناعة القرار فى دول المنطقة، خلفاً لآباء كانوا من الحكمة مضرباً للأمثال، ولم تتوقف هذه الممارسات عند التصريحات وفقط، إلا أنها تخطتها بالفعل إلى تمويل الإرهاب، تارة فى سوريا، وتارة أخرى فى ليبيا، وتارة فى العراق، وحتى مصر، إلى أن تم تتويج كل ذلك بعدوان هنا، وحرب هناك، فى استنزاف واضح لمقدرات شعوبهم.

بالفعل أصبحت سلطنة عمان، خلال الشهور الماضية، ومع عودة سلطان البلاد من رحلة علاج خارجية طويلة، محطة رئيسية، ربما لكل مباحثات الاستقرار والبحث عن السلام الدائرة فى المنطقة حاليا، فيما يشير إلى أن الأفعال هى التى تصنع الكبير وليس الشعارات، وأن ما يطلق عليه (جناحا الأمن القومى) و(ركيزتا الاستقرار) و(عصب المنطقة)، وكل ذلك، أصبح من قبيل الثرثرة، التى لم يعد يحترمها أحد، بل لم يعد أحد يعيرها أى اهتمام.

بالتأكيد لن تحترم الشعوب أبدا حكاماً يدعمون الإرهاب، ثم حينما يكتوون بناره يسارعون بالصراخ، واستدعاء القوات الأجنبية، كما لن يحترم الرأى العام أبدا أى حكام يقرعون طبول الحرب، وعلى من؟ على أشقائهم، وفى وجود عدو حقيقى محتل وغاصب للأرض، وأى أرض؟ إنها المقدسات، كما لن يكون هناك أى احترام لحكام ينفقون ثروات بلادهم على جلب المزيد من السلاح دون أى مبرر منطقى، وها هى المنطقة تتعثر سياسيا، واقتصاديا، وأمنيا، فى وجود سياسات من هذا القبيل، تعتقد أن الأموال وحدها يمكن أن تحقق كل شىء، وها هى الأموال تتراجع مع تراجع أسعار النفط، وها هى الشعوب تئن غضبا.

المهم أننا نحمد الله أنه مازال هناك على قيد الحياة أحد الحكام الحكماء، الذين حباهم الله بهذه الحنكة، التى قادوا بها بلادهم إلى تطور حقيقى، وتنمية غير مسبوقة، وها هم يسعون جاهدين (فى صمت) إلى تدارك أخطاء الصغار، وانتشال المنطقة من عثراتها، وها نحن لا نملك إلا الدعاء بأن يطيل الله فى عمر ذلك الرجل، وأن يُجنب المنطقة غباء المراهقين، وكيد الطائفيين، ومكر الماكرين، وأيضا قوم تُبّع، الذين لا نملك سوى الدعاء لهم بالهداية.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية