طيلة الأسبوع الماضى إتزوقت شوارع القاهرة والجيزة بالزينات والأعلام ومظاهر الاحتفال التى كانت تزداد تدريجيا باقتراب اليوم المشهود.. وعلمت أن جميع المحافظات- باستثناء الإسكندرية طبعا- كانت تتزين هكذا.. ولماذا الإسكندرية طبعا لأنهم لم يجدوا مكانا خاليا من القمامة ليضعوا عليه علما.. لكن، خلينا الآن فى الكلام الحلو عن الفرح والاحتفال.. القاهرة فى الليل كانت رائعة بتلك الأضواء المنتشرة.. هل فكرت بقى فى ترشيد الكهرباء الذى يحثوننا عليه؟.. لأ ما فكرتش.. ليه بقى.. علشان من حقنا نفرح شوية.. لهذا زعلت جدا من الكثير من المحللين السياسيين.. هؤلاء الذين علقوا على القناة الجديدة بأنها «تفريعة» من القناة الأولى وأننا نبالغ بوصفها قناة جديدة.. يا ساتر يا رب!.. «تفريعة»؟.. إيه ده يا حمادة، همّا المحللين دول يهود؟!.. لماذا بخس القدر هكذا؟.. لماذا يستخسرون فى أنفسهم انهم يرفعوا راسهم ويفتخروا بأن بلدهم حفرت قناة جديدة؟.. ده على أساس إننا بنحفر قناة كل يوم؟.. أعرف أن هناك نوعيات من البشر يبخلون على أنفسهم فتجدهم يرتدون ملابس رثة متهالكة ويحرمون أنفسهم من نعم الدنيا رغم إنهم بيقبضوا رواتب أد كده، لكن هل البخل حتى فى الفرح والفخر؟.. إنهم لا يحرمون إلا أنفسهم فقط من هذا الشعور بالفخر بأن بلدهم حفرت قناة سويس جديدة، فغيرهم يمشى رافعا رأسه عاليا ويجلجل صائحا: إحنا حفرنا قناة سويس جديدة!.. هناك مجموعة محللين أخرى.. تلك التى اندفعت تصادر على استمرار الفرحة وبدأت تتساءل عن خطط الحكومة ليوم 7 أغسطس!!.. يا دين النبى على النكد!!..
هو احنا يعنى حرام نستمر فى الفرحة يومين ثلاثة بعدها؟.. ما ينفعش نهضم الفرحة؟.. لازم نزلط كده من غير مضغ وبلع؟.. لماذا هذه الكلفتة؟!.. مهم قوى ناخذ فاصل ونستمتع بالفرحة.. الاستمتاع بالفرحة فن ويحتاج منا أن نعرف متى نفصل.. مش لازم كله على الحامى كده... حاجة واحدة فقط أيدت فيها هؤلاء النكديين وهى أن الحكومة فى آخر اجتماع هنأت نفسها على نجاحها فى حفر القناة!.. هى الحكومة مالها ومال القناة؟.. هو احنا هنضحك على بعض؟..هذه القناة لم ينفعها غير إنها اتحفرت من برة برة بعيدا عن أيدى الحكومة، وإلا كان زمانها قطعت مثل الكهرباء!!.. طبعا هذا باستثناء وزيرة القوى العاملة التى ذهبت بمنتهى السذاجة وهى تحمل 10 أطنان مواد غذائية لعمال القناة!..ده على أساس أنهم يعملون فى الجوع والعطش وتحت ضرب الكرابيج؟.. بدلا من تلك الحركة المكشوفة للتغطية على بياناتها غير المسؤولة عن مزاج زوجها فى الأكل، كان الأولى بها أن تذهب بهذه الأطنان لعائلات عمال المصانع المغلقة!.. لكن برضه لن نضيق النقد هذه المرة فليس هذا وقته.. قناة السويس بدت كالعروسة ويخت المحروسة بدا كالعروسة حتى القاهرة الأسبوع الماضى كانت عروسة.. أضواء القاهرة بالليل ذكرتنى بفرح الأميرة قطر الندى ابنة خمارويه فى حفل زفافها للخليفة فى بغداد.. أيوه يا خفيف، كنت عايشة وقتها.. زفاف قناة السويس لمصر كان مثل زفاف قطر الندى.. يحكى المؤرخون أن خمارويه والى مصر قرر أن يبنى لابنته قطر الندى على رأس كل مرحلة من مراحل الطريق بين القاهرة وبغداد، قصرا تنزل فيه، مجهزا بكل ما تحتاجه من أسباب الرفاهية، فتشعر وكأنها فى كل قصر تنزل فيه لم تفارق قصر والدها.. وحين وصل موكب العروس إلى بغداد ليلا بين آلاف الشموع والمشاعل ودخل موكب قطر الندى قصر الخليفة كانت هناك احتفالات أخرى لم تر بغداد مثلها، على امتداد تاريخها.. ودائما يذكر هذا الاحتفال الأسطورى بأنه من أكثر الاحتفالات بذخا فى التاريخ.. ومناسبة البذخ وطالما جاءت سيرة الفلوس أتعجب أيضا من هؤلاء الذين يقولون إن دخل القناة الجديدة لن يزيد الضعف كما يشاع، بل يشككون فى جدوى زيادة الدخل من رسوم عبور السفن ويقولون إن العبرة بمحور التنمية وليست بزيادة عدد السفن!.. ده إيه الرخامة دى؟!.. كيف الدخل لن يزيد مع إنها واضحة بالفقاقة كده؟.. شوف يا حمادة، إنت ما تردش عليهم.. ولاد الناس ما يتكلموش فى فلوس.. أنا طول عمرى أقول إن الكلام فى الفلوس بيخرب البيوت.. لكن ردا على جميع المشككين فلندعو عليهم دعاءنا المستجاب إن ربنا يشكشكهم فى شكاشيكهم!