اللواء عبدالحميد خيرت
طيلة الأيام الماضية، ومع قرب الحفل العالمى بافتتاح قناة السويس الجديدة، ظللتُ أتابع حُمى جماعة الإخوان الإرهابية وتهديداتها المتصاعدة لكسر إرادة التحدى لدى الشعب المصرى.
ظللتُ فقط أتابع ردود الأفعال التى تؤكد أن هذه الجماعة وأتباعها لايزالون يعيشون فى نوبة غيبوبة طويلة، يبدو أنهم لن يفيقوا منها أبداً، وأنه حتى المشروع الذى سلبهم عقولهم وأفقدهم رشدهم، وكثيراً ما راهنوا على فشله، وكتبوا فيه «ما لم يقله مالك فى الخمر» بات حقيقة ليس بوسعهم إنكارها حتى ولو أغمضوا أعينهم حتى لا يروه.
تهديدات الجماعة الإرهابية، حتى وإن حملناها محمل الجد، لن تكسر إرادة شعب خلعهم ورمى بهم فى زبالة التاريخ، ومهما كانت مشروعاتهم ومؤامراتهم- هم ومن وراءهم- فإن هذه البلاد لن ترضخ أبداً لابتزازهم وتهديداتهم مهما كانت.
إيحاءات الحرب النفسية التى يروجها قادة التنظيم والإرهابيون لن تنطلى، ومهما روّجت وسائل إعلام الجماعة البائدة فإن مصر الدولة هى التى ستنتصر فى النهاية.
يسرِّبون عبر أذرعهم الإعلامية المتعددة بكل اللغات العديد من الإشاعات، ويحذرون من «مؤامرة» للتخلص من الرئيس المعزول محمد مرسى، دون أن يدركوا أن مرسى- حتى بالنسبة لهم- لم يعد ذا قيمة حقيقية، لأن الأهم لديهم هو محاولة إبقاء خط وجود الجماعة على قيد الحياة.. ولو وُضعوا فى معادلة الاختيار لاختاروا بقاء التنظيم على بقاء مرسى ومعه كل قيادات الإرهاب فى الجماعة.
على موقعهم على الإنترنت، يتحدثون عن «عدم التراجع عن الحراك الثورى»، وفى بيانهم- فى عيد الفطر الأخيرـ يثرثرون كثيراً بأقاويل عن «الغضبة الشعبية» و«الشرعية» و«نصرة مطالب الفقراء والعمال والفلاحين»، وكأنهم نصّبوا أنفسهم مدافعين عن حقوق الطبقات الفقيرة، دون أن يخجلوا من كونهم مجموعة مليارديرات «مموّلة» من كل أجهزة المخابرات للمتاجرة فى كل شىء، وأول ما يعرضون للبيع والمتاجرة.. هو الوطن!
الجماعة «الثائرة» والمتاجرة نسيت أو تناست كيف كان أول تمويل بريطانى لها، وبـ500 جنيه، من قوات الاحتلال التى أنشأتها، وجماعة «الأحرار والحرائر» لم تذكر لنا كيف يتملك قياديوها الملايين فى الخارج، ويفتتحون الفنادق الكبرى فى تركيا، وما أدراك ما تعج به من حانات ورقص وخمور!
الجماعة الثائرة التى تتحدث عن «شرعية مرسى» وتعلن تمسكها بذلك هى نفسها التى تمرّرُ عن عمد كل سيناريوهات التخلص منه وتنسبها للدولة المصرية، وتغافلت فى نفس الوقت أنها أول الرابحين من اختفاء مرسى من المشهد السياسى، ففى اختفائه بالموت أو الاغتيال تخلص كبير من أحد أكبر أعبائها المتورطة فيها، وإفساح المجال لها للتحرر من ضغوط اختبار مصداقيتها أمام كل «المغفلين» الذين لايزالون يتبعونها بـ«السمع والطاعة»!
وهنا لم يكن غريباً أن يخرج علينا القيادى الهارب، جمال حشمت، ليكتب على صفحته الشخصية على «تويتر» أن «العسكر والداخلية هم من فتحوا السجون فى بداية الثورة لنشر الفوضى، وهم يعدون العدة لتكرارها لقتل المعتقلين»، ومنهم أو أهمهم مرسى طبعاً!
وطبعاً، جمال حشمت لم يذكر أن اقتحام السجون لم يكن بيد وزارة الداخلية، ولكنه كان على يد عناصر الإخوان وجماعات الإرهاب وحماس وحزب الله، وهى القضية المنظورة أمام القضاء وحصلت فيها قيادات إخوان على أحكام بالإعدام!
والغريب أن رئيس تحرير صحيفة- تدّعى أنها مستقلةـ محسوبة بل متعاطفة مع «الإخوان» ليتحدث عن عدم رضا أحد من سماهم «أجنحة النظام العسكرى» عن المخطط الدموى للاقتحام وتصفية المعتقلين(؟!).. ضمن تقرير نشرته صحيفة «العربى الجديد» الإخوانية، التى يرأس تحريرها الصحفى الهارب إلى لندن وائل قنديل، وتمولها دويلة قطر، ضمن مجموعة «العربى» التى يرأس مجلس إدارتها المتصهين عزمى بشارة، المعروف بأجندته وتنظيراته فيما يُعرف بالربيع الإخوانى الذى تحطم على صخرة الشعوب المستفيقة.
التسريبات «الافتراضية» المقصودة عبر الأذرع الإخوانية العميلة ليست هباء بالطبع، ولكنها تشير إلى أحد أمرين لا ثالث لهما، يبدو أن الجماعة تعمل باتجاه أحدهما، الأول: مخطط صريح وواضح لاستهداف حياة مرسى، وقتله والتخلص منه بشكل أو بآخر، والثانى: محاولات مستميتة لتهريب مرسى وبعض قيادات الإخوان، بتكرار تجربة اقتحام السجون، يمكن خلالها تصفية إلههم «هبل» ومعه كل الكهنة.
وفى كلا الأمرين يكون النظام المصرى أمام معضلة حقيقية أهمها ضياع هيبة الدولة وإحراجها دولياً عبر إثبات عدم قدرتها على حماية معتقليها، وسيستفيدون منها فى كل الأحوال.
فى رأيى، ومن منطلق خبرتى الطويلة فى العمل الأمنى، فإن مثل هذه التسريبات، وإن كانت خيالية، لكنها تشير إلى كم النوايا السيئة التى تدير بها الجماعة أزماتها وتتعامل مع واقعها.
ليس صعباً على الإطلاق على جماعة قاتلة ومجرمة أن تتخلص من بعض قيادييها أو المحسوبين عليها. مؤسسها حسن البنا نفسه تخلص «معنوياً» من منافسه أحمد السكرى فى بدايات التأسيس. نظامها الخاص، برئاسة عبدالرحمن السندى، تخلص من خصومه من خارج الجماعة أو من داخلها، ومنهم المهندس سيد فايز، الذى قُتل بعلبة حلوى مفخخة قيل إن السندى هو الذى أرسلها إليه، بعد فصله من التنظيم وتعيين يوسف طلعت بدلاً منه.
باختصار.. الجماعة التى تبيع وطنها، وتعتبره مجرد «حفنة من تراب» مستعدة لأن تبيع أكبر رأس فيها، خاصة لو أصبح عبئاً عليها.. وكل السيناريوهات تؤكد ذلك.