كم واحدا سافر إلى قناة السويس الجديدة فى سنة فاتت والتقط صورا له وكتب عن عبقرية المشروع؟ كم واحدا رأى آلاف العمال وهم يحفرون فى طقس غير محتمل وحصل معهم على صورة سيلفى يضعها على تليفونه أو صفحة الفيس بوك؟
على بعد أيام قليلة من افتتاح قناة السويس الجديدة أكرر ما كتبته من ستة أشهر مضت.. أن ضخامة المشروع وصعوبته وقصصه الناجحة فشل الإعلام فى أن يصل بها إلى رجل وسيدة الشارع لكى يصبح جزءا من مشروع وطنى، تصورت ـ ومازلت ـ أن غايته الأولى نشر ثقافة الانتماء لبلدنا قبل أن يكون مشروعا اقتصاديا ننتظر ما سوف نحصل عليه منه، بمعنى أن عاما مضى كان يجب فيه أن نحصل على العائد الفورى لهذا المشروع عن طريق شعور كل مواطن فى مصر أنه شريك فيه وأنه مصدر فخر وسعادة وبهجة له، لكن إدارة هذا الملف المهم للغاية على مدار سنة فشلت تماما، فتصدر المشهد مرة أخرى وكالعادة الفنانون ولاعبو كرة القدم والمذيعون ورؤساء التحرير ورجال الدين، لكن الشباب فى القرى والمدن البعيدة والقريبة الذين صنع من أجل مستقبلهم هذا المشروع لم يجدوا مكانا فى الصورة، حتى فى الاحتفال 6 أغسطس سوف يتم اختيار عدد رمزى لن يتجاوز 150 شابا وفتاة، بينما سوف يمتلئ الاحتفال مرة أخرى بالفنانين ولاعبى الكرة ولا مانع من لاعبى التلات ورقات!
نحن أسطوات وأذكى إخوتنا دائما فى إفساد كل الفرص الذهبية التى يمكن أن تعيد صهر وتشكيل بلدنا، أذكياء إلى درجة الاستسهال أو البلاهة أو الغباء أو الركض وراء نفس السيناريوهات التى تصنع مسافات ـ وليس مسافة ـ بين الشباب المجهد المحبط المهزوم وبين بلده، مرة أخرى: سوف يتابع 60 مليون شاب الاحتفال بافتتاح المشروع الوطنى لبلده من خلال شاشات التليفزيون، وسوف يرى نفس الوشوش التى أكلت على كل الموائد وبلعت وهضمت موارد البلد تجلس فى الصفوف الأولى وتضحك وترعى وتنهش من جديد فى مشروع صنع من أجل الشباب ومستقبلهم!
أى إحساس بإحباط سوف يتضاعف داخلهم؟ أى مشاعر إيجابية يمكن أن تضاف إلى الانتماء لبلدهم؟ أى مشاركة يمكن أن نتوقعها من الـ60 مليون شاب الذين تتكرر مأساة كل عصر معهم؟
مازال عندنا فى مصر وزير شباب هو الأستاذ خالد عبدالعزيز يتعامل مع وظيفته بكم أنفق من أجل تجديد ناد أو مركز شباب وكيف استطاع إنهاء مشكلة أو أزمة فى الدورى أو حول لاعب كرة قدم!
وزير شباب فشل فى طرح أفكار الشباب فى مصر فى سنة 2015، فشل فى الوصول لهم، فشل فى تحقيق بعض أمانيهم، فشل فى حصول الشباب على حقوقهم فى بلدهم، فشل فى إيجاد مقاعد فى الصفوف الأمامية للشباب المحروم من الحلم والمشاركة والرأى!
فشل الرجل ذو القميص الأبيض فى أن يجعل الشباب يتفاعل مع أهم مشروع وطنى للدولة، وسوف يستمر، لأن مرور عام على بداية حفر قناة السويس دون أن يلعب دورا بارزا فى تسويق هذا المشروع لدى الشباب بمختلف اتجاهاته وأفكاره هو إهدار فرصة عمر لكى نعالج الهوة الموجودة بين الشباب والدولة!
كذلك فشل الإعلام بكل البكوات والهوانم الذين تعاملوا مع كل الفرص التى وفرتها لهم الشؤون المعنوية للقوات المسلحة لزيارة المشروع وتفعيله إعلاميا على أنه مجرد وجاهة اجتماعية، واستخدموا المشروع لكى تلتقط لهم صور هناك يضعونها على صفحاتهم الشخصية للدعاية لأنفسهم!
هات لى قصة صحفية واحدة يمكن أن نعتمد عليها كمصدر لأهمية قناة السويس الجديدة وقدراتها وإمكاناتها، هات لى قلما أو كاميرا ناقشت المشروع من كل زاوية فيه حتى نقنع 100 مليون مصرى بأنهم جزء منه، هات لى تحقيقا صحفيا يمكن أن يصنع منه مواطن عادى فرصة فى الاستثمار والعمل فى تنمية قناة السويس!
أمامى ملف كبير عن مقالات وموضوعات وتحقيقات وبرامج، حصيلة زيارة بكوات وهوانم الصحافة للمشروع، وكلها مجرد انطباعات وآراء ومشاعر، لا أرقام ولا أفكار ولا اقتراحات يمكن أن تكون تحت يد مواطن بسيط أو مستثمر!
أهم من الاحتفال الأسطورى للعالم.. هو أن يشعر المواطن المصرى بمعنى شق قناة جديدة، أن يشعر أنه جزء من مشروع بلده الوطنى لا متفرج ولا ضيف غير مرغوب فيه، أن تتكلم الأرقام عن فرص العمل الحقيقية وفرص النجاح المحتملة وفرص النهضة التى نحلم بها.
كيف يمكن أن يكون فى كل مكان فى مصر فى 6 أغسطس فرحة ومناقشة عائلية عن القناة هو الأهم من مانشيتات متوقعة للصحف فى اليوم ذاته مع مقدمات نشرات إخبارية تقليدية: اليوم العالم يحبس أنفاسه، احتفال أسطورى فى القناة، 21 طلقة مدفعية فى انتظار عبور الرئيس باليخت المحروسة! وهكذا..
مرة أخرى، العيد.. عيدنا، والاحتفال.. احتفالنا، لا هو مشروع نجوم السينما والتليفزيون والكرة.. ولا هو احتكار لنفس الوجوه من رجال الأعمال والدولة.. إذا لم يفرح ويشارك ويفهم ويتفاعل 60 مليون شاب فأنت فقدت الجزء الأهم من المشروع.
أتمنى أن نجد قصص الأبطال الحقيقيين ـ الذين عاشوا والذين ماتوا ـ فى الصفحات الأولى يوم افتتاح القناة.