رغم قسوة الأحداث التى مرت علينا الأيام الماضية باغتيال النائب العام، ثم الهجمات الإرهابية الغادرة على سيناء، والتى انتهت بانتصار ساحق لقواتنا المسلحة، أعاد إلينا الثقة والعزة والأمل فى القضاء على الإرهاب وأعوانه، فقد خطفتنا كرة القدم بإثارتها وحلاوتها وتشويقها من هذا الجو الكئيب، والصراع المحبط، والشد العصبى المزعج، إلى عالم آخر، وخيال مختلف، عندما فاز الأهلى على وادى دجلة، وخسر الزمالك أمام المقاصة، ليفتح باب التكهنات والأرقام والحسابات عن عودة الأهلى للمنافسة، وضياع الحلم من الزمالك، وحديث لطيف وشيق ومثير خطف قطاعا كبيرا من الشعب من المناخ المتوتر، الذى أجبرته الظروف على أن يعيشه، إلى ما يحلم به من العودة لحياته الطبيعية، واهتماماته، وهواياته القديمة.
لحظات إثارة كروية جميلة لم نعشها منذ زمن، فأنسقنا خلفها بإرادتنا رغم أن أغلبنا على يقين من أن الزمالك هو الأقرب للفوز بالدورى، وأن فرص الأهلى بعيدة، ولا تتوفر الظروف التى يتحقق فيها المستحيل، وبالفعل انقلب الحال بعدها بيومين، وفاز الزمالك بسهولة ويسر ونعومة وحنية على الإسماعيلى بثلاثية أعادت الأمور إلى نصابها الطبيعى، لكنها أكدت أننا كشعب نبحث عن طوق نجاة ينقذنا من حالة الحزن والغم، ويعطينا الأمل والدافع كى نستعيد حياتنا، وننتزع فرحتنا من جماعة غبية تريد أن تغرقنا معها فى صراع عقيم على السلطة، أو انتقام بغيض من الشعب الذى أزاحها من مقعدها.
فالأكيد الآن كما أظن أننا سنكون قادرين على استعادة عافيتنا وقوتنا ورغبتنا فى الانتصار والتفوق والنمو والنهوض إذا استعدنا الفرحة والبهجة، لذا لا أفهم لماذا يهاجم البعض ممن هم على أرضيتنا الوطنية الإعداد لاحتفال تاريخى وضخم فى افتتاح الفرع الثانى لقناة السويس، وهو مشروع حتى ولو اختلفنا على جدواه الاقتصادية، فارتباطنا المعنوى وتعلقنا بإنجازه فى زمن قياسى أكبر مكسب يمكن أن يتحقق بعد أربع سنوات من الصراع السياسى الدموى والإحباط وغياب الرؤية، فالناس الذين انجذبوا لفوز فريق وخسارة آخر فى دورى بطله شبه محسوم يؤكدون أنهم يريدون من يسحبهم للفرحة ويعيدهم لهوايتهم وأحاديثهم القديمة.
ومن نفس هذه الواقعة التى لا أزايد فى تفسيرها بل أقرر واقعها، ينبغى أن يستوعبها وزير الشباب والرياضة، وأن يدرك أن عودة كرة القدم بشكلها الطبيعى فى حضور الجماهير أحد الشرايين المهمة لعودة الحياة الطبيعية للبلاد، وأن المباريات الصامتة التى نلعبها فى الملاعب التى تسكن الأشباح مدرجاتها أمر مثير للإحباط، ومن ثم يتعين عليه أن يشغل باله بأفكار جديدة وعملية لعودة الجماهير، دونما ربطها بالأمن والداخلية، التى تتحمل فوق طاقتها، وتدفع دون ذنب فاتورة عجز المسؤولين عن الرياضة والأندية والاتحادات فى حل مشاكلهم، سواء مع الجماهير أو الإجراءات اللوجيستية لعمل بنية تحتية لتأمين المباريات بعيداً عن الداخلية، سواء من خلال شركات أمن خاصة، أو شركة أمن تنشئها الأندية واتحاد الكرة بالمشاركة مع وزارة الداخلية، أو إنشاء إدارة مدنية لأمن الملاعب داخل وزارة الداخلية، وتقوم الأندية بتغطية تكاليف التامين، فالأفكار كثيرة، لكن المهم أن تتحرك الوزارة والأندية، ولا تلقى بمشاكلها على غيرها، وتجلس لتضع يدها على خدها فى انتظار قرار السيد الرئيس.
■ أفزعتنى كمية الإهانات التى تعرض لها مسؤولو اتحاد الكرة فرداً فرداً من مسؤولى نادى الزمالك فرداً فرداً، بعد خسارتهم من المقاصة، وهى الإهانات التى حصل الحكام ورئيس لجنتهم على الجزء الأكبر منها، لكن ما أفزعنى أكثر هو حالة البلادة التى أصابتهم ولم يفتح أحد فمه، واختفوا فى جحورهم، على عكس موقفهم عندما أعلن وائل جمعة، مدير الكرة بالأهلى، اعتراضه على الحكام فى بداية الموسم، ورغم أنه لم يوجه إليهم إهانات، أو حتى اتهامات مباشرة، تم عقابه، ونفس الأمر حدث فى واقعة أخرى مع المهندس ماجد سامى، رئيس نادى وادى دجلة، حينها.. صدق من قال: «أسد علىّ وفى الحروب نعامة».
■ من الغباء أن نتهم أى فريق بالتفويت، أو أى مدرب بالتساهل فى مباراة دون دليل، خاصة عندما يكون الفريق هو الإسماعيلى، والمدرب هو طارق يحيى، صحيح أن الإسماعيلى يحب الزمالك، ويكره الأهلى (تاريخياً)، لكنه أبداً لا يفوت مباراة، لأنه يبيع تاريخا، وطارق يحيى زملكاوى أصيل، يحب ناديه، لكنه مدرب محترف، ولا يمكن أن يبيع ضميره.. مش كده ولا إيه؟
■ نحن أفضل ناس نتحدث عن القانون والنظام ونخرج فى التليفزيونات لنحلل سبب تخلفنا بأننا شعب لا يحترم القانون، لكن عندما يأتى القانون علينا نطلب الاستثناءات، من هنا فإننى أتعجب من تباطؤ وزارة المالية فى تحصيل مستحقاتها لدى الأندية، فالقانون يجب أن يُنفذ على الجميع، وحق الدولة لا يوجد فيه استثناء، والأندية التى تشكو من الضرائب تشترى لاعبين بالملايين، ومن يقل إن الأندية الجماهيرية، الأهلى والزمالك والاتحاد والمصرى، ستغلق أبوابها إذا دفعت للدولة حقها فهو إما جاهلا أو عاجزا، لأن هذه الأندية لديها ثروة من الناشئين، وهى قادرة على أن تبنى فرقا «ببلاش»، لكن جهلها وعجزها يدفعها لشراء الجاهز.
■ لا أخفى إعجابى بإدارة الأهلى فى التفاوض وحسم صفقات الموسم الجديد بهدوء، دون ضجيج أو كيد للمنافس، كما كان يحدث من قبل، فبعد أن ضاع الدورى، اتخذ المجلس قراراً بتوجيه الدعم المادى المفتوح لتدعيم صفوف الفريق بصفقات، بشرطين: الأول، عدم وجود بديل داخل الناشئين، والثانى أن يكون «سوبر»، وبالفعل تعاقد مع جون أنطوى، وصالح جمعة، ومحمد حمدى، ورجب نبيل، وجميعهم متميزون على المستوى الفنى، ثم كانت الضربة القوية بحصوله على الصفقة المجنونة للمهاجم القوى والرائع الجابونى، ماليك إيفونا، الذى سبق أن أعلن الزمالك التعاقد معه، لكن تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن.
المهم أن الأهلى دعّم صفوفه ولم نسمع صوت مسؤول واحد يكيد أو يتباهى، هذا هو العمل الاحترافى.