مازلنا مع الأعداد الغفيرة التي تلتحق في كل عام بكليات الحقوق، وهى أعداد يصعب معها أن نصدق أن هناك تعليما حقيقيا، وامتحانات حقيقية، ونجاحا حقيقيا.. إذ كيف يمكن أن يكون هناك تفاعل حقيقى متبادل بين آلاف مؤلفة من الطلاب وأستاذ ما، وكيف يتسع وقت الأستاذ مهما اجتهد لكى يميز الطلاب المجتهدين والنابغين ذوى القدرات العالية من بين تلك الآلاف المؤلفة؟، ومما يزيد الطين بلة ما تسلل إلى الجامعة تحت مسمى «التعليم المفتوح»، الذي أضاف إلى تلك الآلاف آلافا أخرى من ذوى القدرات التي تقرب في كثير من الأحيان من الحضيض، ومع ذلك فهم يلتحقون بها وينجحون!، وربما تنضم جحافلهم بعد حين بشكل أو بآخر إلى منظومة العدالة!!.. السؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا على مدى سنين طوال سكت صناع القرار على هذا الوضع الكارثى؟.. ربما كان الجواب لأن كل الأطراف كانت لهم دائما مصلحة شخصية أو فئوية في بقاء الوضع على ما هو عليه.. أولياء الأمور مصلحتهم أن يضمنوا لأبنائهم مكانا في الجامعة بأى شكل وفى أي كلية حتى لو كانت تقبل بالآلاف، والذين فاتهم قطار الالتحاق بالجامعة في أوانه الطبيعى تجددت آمالهم في اللحاق به من خلال ما يسمى التعليم المفتوح، وإدارة الجامعة لها مصلحة في قبولهم لزيادة الموارد المالية للجامعة، ورؤساء الجامعات ومجالس إدارة التعليم المفتوح لهم مصلحة شخصية تتمثل في مكافآتهم المالية المقررة من موارد الصندوق، وأساتذة الجامعة لهم مصلحة في بيع كتبهم ومذكراتهم من موقعهم كمحتكر لسوق معينة يهمه كأى محتكر في الدنيا زيادة حجم السوق قبل أي اعتبار آخر!،
(لعل هذا من بين الأسباب التي تفسر لنا لماذا أصبحت نسبة النجاح في كليات الحقوق تصل إلى 80% بعد أن كانت حتى منتصف القرن الماضى لا تتجاوز 15% حين كان الأساتذة لا يكترثون كثيرا ببيع الكتب، وكان همهم الأول مُنصبا على تقديم العلم لطلابهم ثم اكتشاف النوابغ من بينهم).. أما صانعو القرار فقد كان همهم الأول هو إرضاء الجميع: أولياء الأمور من ناحية، ومن فاتهم قطار التعليم الجامعى من ناحية أخرى، ورؤساء الجامعات والأساتذة من ناحية ثالثة، وبهذا الإرضاء لكل الأطراف يضمن المتربعون على قمة النظام إقفال باب من الأبواب الكثيرة التي يمكن أن تهب منها يوما ما عواصف الاحتجاج على بقائهم في القمة.. الجميع من المنظور الشخصى والفئوى رابحون.. لكن هذا الربح في حقيقته ربح ظاهرى، متحقق على المدى القريب فقط.. لأن الخاسر الحقيقى على المدى الأبعد هو مستقبل منظومة العدالة الذي هو جزء من مستقبل الوطن ككل.. وحينما يضيع المستقبل فلن يعوضه أي ربح في الحاضر مهما بدا كبيرا.