لقد رأى سكان القاهرة طائرات «إف 16 بلوك 52» أمريكية الصنع تحلق في سماء العاصمة نهاية الأسبوع الماضى، ولا شك أنهم تذكروا على الفور أن طائرات «الرافال» فرنسية الصنع كانت تحلق في السماء نفسها قبل نحو أسبوعين.
إنها تطورات مثيرة التي تعيشها مصر الآن؛ فقد تسلمت مصر ثمانى طائرات «إف 16» للتو من واشنطن، في إطار صفقة ستكتمل في الخريف المقبل، حين تحصل على أربع طائرات أخرى.
ستعزز تلك الطائرات قدرة مصر الجوية إلى حد كبير، حينما تنضم إلى الأسطول الجوى للبلاد، لكن ليست تلك هي كل الأخبار الطيبة.
فقد أطلقت السفارة الأمريكية في القاهرة «هاشتاجاً» مميزاً بمواكبة وصول «الإف 16»، يقول «الهاشتاج»: «مصر ستهزم الإرهاب»، كما أعلن المسؤولون الأمريكيون التزام بلادهم بتقديم المساعدات السنوية المقررة لمصر، في إطار دعم «الشراكة بين البلدين»، وتعزيز قدرة مصر على «مواجهة التحديات الأمنية والإرهابية».
أما فرنسا التي باعت لنا الطائرات «الرافال»، فقد كانت حاضرة أيضاً قبل ثلاثة أيام في الأجواء البحرية المصرية، حيث حضر وزير الدفاع احتفالاً بتدشين الفرقاطة فرنسية الصنع من طراز «فريم»، وهى فرقاطة متعددة المهام، تعد الأولى من نوعها في المنطقة.
ليس هذا فقط، لكن الرئاسة الفرنسية أعلنت عن مشاركة الرئيس أولاند في احتفالات افتتاح «قناة السويس الجديدة»، بما يعنيه هذا من تعزيز الشراكة بين بلاده ومصر، واستعداد باريس لتطوير العلاقات مع القاهرة على أسس متينة.
تعزز الأسلحة النوعية الجديدة التي حصلت عليها مصر قدرتها على حفظ أمنها القومى، وتكريس سيادتها على أجوائها الجوية والبحرية والبرية من جانب، وتزيد من مكانتها الإقليمية، وقوتها الشاملة، وقدراتها على الوفاء بأعباء حفظ الأمن القومى العربى من جانب آخر.
ليس هذا هو كل ما جرى من وقائع طيبة خلال الأيام القليلة الفائتة؛ إذ تلقت العلاقات المصرية- السعودية دفعة قوية إلى الأمام، سيكون لها مردود واضح وكبير على مستقبل العلاقات الإقليمية والأمن في المنطقة.
لقد قام ولى ولى عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان بزيارة وصفتها بعض الصحف السعودية بـ «التاريخية»، لتعزيز التحالف بين البلدين، وقد صدر عن الزيارة «إعلان القاهرة»، وهو الإعلان الذي يتضمن جوانب التعاون بين البلدين على الصعد السياسية والعسكرية، وإنشاء «القوة العربية المشتركة»، و«تعزيز الاستثمار المشترك»، و«التعاون في مجالات الطاقة»، وصولاً إلى تحقيق «التكامل بين البلدين» كما قال وزير الخارجية سامح شكرى.
وفى ما وصف الرئيس السيسى البلدين على هامش تلك الزيارة بأنهما «جناحا الأمة»، راح وزير الخارجية السعودى الجبير يؤكد أن البلدين «سيبذلان كل ما بوسعهما لتطوير العلاقات وتعزيز التواصل».
الصحف السعودية والخليجية احتفت بتلك الزيارة بالطبع، واعتبرتها «صفعة للمشككين في متانة العلاقات بين البلدين»، وذهب بعض المعلقين إلى كونها «إعادة تأسيس للعلاقات»، و«تجاوزاً لفترة من الفتور وعدم اليقين».
الصحف القطرية تجاهلت الزيارة بالطبع، مكتفية بالتشكيك في جدوى افتتاح «قناة السويس الجديدة»، ونقل أخبار تظاهرات «الإخوان» البائسة، في وقت بدا الإعلام التركى فيه مشغولاً بتطورات داخلية وإقليمية حادة وسلبية تلقى بظلال قاتمة على مستقبل السياسة التركية.
حينما يمر حفل افتتاح «قناة السويس الجديدة» على خير بإذن الله، وتبدأ الدولة في تفعيل المشروعات التنموية الطموحة التي تخطط لها في إقليم القناة، سيحق لمسار «30 يونيو» أن يحتفل بأول إنجاز تنموى كبير وملموس، وأن يؤكد قدرته على الوفاء بتعهداته.
الأهم من ذلك أن الرئيس السيسى حرص نهاية الأسبوع الماضى، على هامش حضوره احتفالات تخريج دفعات جديدة من عدد من الكليات العسكرية، على التأكيد أن الانتخابات البرلمانية ستجرى قبل نهاية العام.
يعنى هذا ببساطة أن الاستحقاق الثالث والأخير من خريطة الطريق سيكون قد أُنجز، وأن الدولة ستستكمل مؤسساتها الدستورية، لتبدأ في مرحلة جديدة من البناء والعمل.
لا يعنى هذا أن الآمال كلها تحققت، وأن المشكلات انتهت، ولا يعنى أيضاً أن تدبير تنظيم «الإخوان» وجماعات الإرهاب والقوى الإقليمية والدولية الداعمة لها قد أُحبط وتوقف عن الكيد لمصر والمصريين، ولكنه يعنى أننا على الطريق الصحيحة، وأن البشائر الطيبة تعزز ذلك، وأن أمامنا الكثير من العمل لكى نحقق أهدافنا.