صورة رجل الأعمال، عند المشير طنطاوى، ليست جيدة، وأخشى أن تكون هذه الصورة قد انتقلت كما هى، إلى الرئيس، بحكم العلاقة الحميمة التى نعرف أنها قائمة بينهما من زمان!
وإذا أنت راجعت الآن سلوك الدولة مع رجال الأعمال بشكل عام، فى فترة حكم المجلس العسكرى، وهى الفترة التى كان فيها طنطاوى بمثابة رئيس الدولة، فسوف تتبين لك ملامح هذه الصورة بالضبط عنده!
والشىء الذى يزيد من مخاوفى، من انتقال الصورة كما هى، من المشير إلى الرئيس، أن رأس الدولة الآن، ومنذ تولى الحكم، يكاد يحكم على رجل الأعمال من خلال شىء واحد، هو تبرعه لصندوق «تحيا مصر» بسخاء أو عدم تبرعه!
والذين حضروا حفل الإفطار، الذى دعا إليه الصندوق، فى رمضان، وحضره الرئيس، لابد أنهم لاحظوا شيئاً من هذا بوضوح، ثم لابد أنهم، هم أنفسهم، يذكرون أن الرئيس فى بدء إنشاء الصندوق، كان قد قال إن طموحه فيه من جيوب رجال الأعمال تطوعاً، لا يقل عن مائة مليار جنيه، وقد مر عام كامل، ثم دخلنا فى الثانى، بينما حجم تبرعاتهم لم يصل إلى واحد على عشرة مما كان السيسى ينتظره منهم تبرعاً، ومما أعلنه بنفسه على الرأى العام!
وأظن أن رفع السقف فى الصندوق إلى رقم المائة مليار، ثم تواضع الرقم الذى جرى التبرع به فعلاً، قد وضع رئيسنا فى حرج، كان هو فى غنى عنه تماماً، لو أنه أدرك منذ البداية أن المطلوب من أى رجل أعمال شريف، ليس أن يتبرع بالمليار وإنما أن يؤدى ضرائبه بالمليم!
فالدولة.. أى دولة.. لا تستطيع أن ترغم أحداً على أن يتبرع، حتى ولو كانت ثروته مائة مليار، لأنها فى النهاية، ثروته، ولأن التبرع كفكرة، يقوم على التطوع من جانب صاحبه، وليس على أى إجبار، وإلا فإنه كتبرع، يفقد اسمه وطبيعته!
ولايزال أمام الرئيس أن يطلب وضع نظام ضريبى صارم، وأن يكون على يقين من أن وضع مثل هذا النظام الصارم، سوف يأتى له، أو للدولة بمعنى أدق، بأضعاف أضعاف ما كان يريده هو فى الصندوق.
نظام ضريبى صارم، يجعل الدولة شريكاً مرفوعاً فى كل جنيه يكسبه أى صاحب أعمال، ويجعل لها نصيباً معلوماً فى هذا الجنيه، لا يقبل الفصال تحت أى ظرف، ويجعل السجن هو البديل الوحيد لعدم أداء حق الدولة فى هذا الاتجاه، ثم لا يكتفى بهذا كله، وإنما يجعل الأمر على نحو ما يعرفه العالم المتقدم من حولنا، الذى يصنف التهرب من دفع حق الدولة ضريبياً على أنه جريمة مخلة بالشرف!
حين كان عمر بن الخطاب، على فراش الموت، سألوه عما سيفعله لو أن الحياة بدأت معه من جديد، فقال: سوف آخذ من فضول أموال الأغنياء وأعطى الفقراء.
ولابد أن الضريبة هى الترجمة العصرية لكلام الخليفة الراشد الثانى، كما لابد أن الانشغال بما هو سوى ذلك، انشغال بالتفاصيل.. لا بأصل الموضوع!