x

محمد حبيب هل تقود المؤسسة العسكرية ولو مؤقتاً عملية التنمية؟ محمد حبيب السبت 01-08-2015 21:26


قيم الشجاعة، والبطولة، والشهامة، والمروءة، والتضحية، والبذل، والعطاء، والفداء، لها أهلها ورجالها الذين يظهرون وقت الشدة وفى الأزمات وعند الحاجة.. وقد تجلت هذه القيم- بأبرز معانيها- في الإنجاز العظيم الذي حققته المؤسسة العسكرية وهو إنشاء قناة السويس الجديدة في هذا الزمن القصير.. هو عمل معجز ومبدع بكل المقاييس، ويشكل لحظة فارقة في حياة المصريين.. ولا يسعنا إلا نقف تقديرا واعتزازا واحتراما لكل من شارك فيه، بقرار أو جهد أو وقت أو مال.. هذا العمل الفذ يجعل كل مصرى مخلص ومحب لأهله ووطنه، يشعر بكل الزهو والفخر، وهو في الوقت ذاته يمثل رسالة لكل دول العالم بأن المصريين من أبناء المؤسسة العسكرية على مستوى التحدى، وأنهم قادرون على قيادة النهضة التي يرجونها لوطنهم وأمتهم.. وقد تجلى وجه الإعجاز في تأمينهم لمنطقة القناة والعاملين فيها جميعا ضد موجة الإرهاب العاتية التي تتعرض لها مصر.. وليس هذا غريبا، فنحن لا ننسى دورهم العظيم في حرب الاستنزاف، ولا دورهم الأعظم والأروع في حرب السادس من أكتوبر عام ١٩٧٣، ولا دورهم المبارك في حربهم ضد الإرهاب في مصر وخارجها، حفاظا على أمننا الوطنى والقومى.. وهم إذ يصنعون ذلك، يبذلون النفس والنفيس، من أجل أن نعيش في أوطاننا أحرارا، أعزة، آمنين.

إن المؤسسة العسكرية ليست تجمعا لضباط وجنود مرتزقة، بل هي مصرية خالصة، إفراز طبيعى للشعب المصرى.. تعبير عن كل مكان وركن في مصر، من أسوان حتى الإسكندرية، ومن العريش حتى السلوم.. بل إنها تمثيل معبر وأصيل عن كل فئات وطبقات المصريين.. وهذه هي عظمة تلك المؤسسة.. لا تعكس طائفة، أو قبيلة، أو طبقة، أو توجها سياسيا معينا.. وكما أنها من الشعب، هي ملك له.. مهمتها الأساسية المحافظة على أمن وسلامة الدولة، الشعب والوطن والحكومة.. وغنى عن البيان أن المؤسسة العسكرية المصرية لا تمثل العمود الفقرى لمصر فحسب، وإنما تعتبر العمود الفقرى للدول العربية.. ومن ثم، فالمحافظة عليها وإمدادها بكل ما تحتاجه من وسائل وآليات بما يطور أداءها ويعزز مكانتها، علاوة على الثقة فيها والدفاع عنها ضد المرجفين، فضلا عن إحاطتها بالتقدير والاحترام اللازمين، كل ذلك يعتبر من أوجب الواجبات..

والسؤال الذي يطرح نفسه؛ إذا كانت هذه هي صفات المؤسسة العسكرية، وهى من الشعب، فلماذا يبدو الشعب مختلفا؟ ولماذا تبدو مؤسساته المدنية، الرسمية والطوعية، على هذا النحو من التدنى والتدهور؟.. الجواب في منتهى البساطة والوضوح هو أن المؤسسة العسكرية تتميز بالانضباط، والالتزام، ووضوح الرؤية، والارتباط بالهدف.. عمادها الجد، والحسم، والعزم، والهمة، والأخذ بأسباب العلم والقوة، وإلا ضاع الوطن، واستبيحت حرماته ومقدساته.. ومن هنا كان الإنجاز والإعجاز في إنشاء قناة السويس الجديدة..

على النقيض من المؤسسة العسكرية، لا يحتاج الناظر إلى ما يحدث في مصر إلى جهد كى يلحظ مدى التسيب، والعشوائية، والارتجالية، والإهمال، والمحسوبية، والرشوة، والفساد بكل أشكاله وصوره؛ السياسية، والمالية، والإدارية، والاجتماعية.. ولعل الكوارث الأخيرة التي وقعت، مثل كارثة عبارة الوراق، ووفيات أطفال بنى سويف، وحريق مدينة العبور، أقرب دليل على ذلك.. بالطبع، من المستحيل تحويل الشعب المصرى إلى ضباط وجنود في فصائل أو سرايا أو كتائب عسكرية، ولا تحويل المؤسسات المدنية إلى مؤسسات عسكرية حتى يمكن النهوض بمصر.. فهذا لا تحتمله ولا تلائمه طبائع الشعوب في أي مكان أو زمان، ويظل الجانب المدنى مهما وضروريا وحتميا؛ علميا، وتعليميا، وصحيا، واقتصاديا، وزراعيا، وصناعيا، واجتماعيا، وثقافيا، وإعلاميا، بل وسياسيا، شريطة أن يكون الأداء صحيحا وسليما.. وهذه هي المشكلة.. كما أن وضع رجل عسكرى على رأس الحكومة أو على رأس كل وزارة، أو محافظة أو حتى حى لن يجدى نفعا، لأن المنظومة التي يعمل من خلالها مليئة بالثقوب والعيوب، وسوف يتحول بعد وقت- طال أم قصر- إلى جزء منها..

مشكلة المؤسسات المدنية لن تحل، ما لم نزرع الانضباط داخلها، ما لم يكن هناك نظام صارم للمتابعة اللصيقة والدقيقة- ودون محاباة- لكل العاملين في الدولة، بدءا برئيس الوزراء وانتهاء بأصغر عامل في مصر.. إن المصريين الذين تتاح لهم فرص العمل في الخارج، عادة ما يكونون غاية في الانضباط، لأن هناك نظاما صارما للثواب والعقاب لأى شخص مسؤول، مهما كانت مكانته أو منزلته.. ليس هذا فقط، وإنما هو النظام الصارم في تطبيق القانون على الجميع، الوزراء والخفراء، الكبار والصغار على السواء.. دون ذلك، سوف تذهب كل الجهود سدى وتتبدد كل المشروعات هباء، كبيرها وصغيرها.. دون ذلك أيضا، لن تضعف مصر فحسب، لكنها سوف تخرج من التاريخ، وسوف تحرم منطقتنا وأمتنا من الدور الرائد الذي يمكن أن تقوم به مصر.. بمعنى آخر، سوف تكون خسارة كبرى لشعب مصر، والشعوب العربية والإسلامية، وشعوب العالم، فهل ندرك ذلك؟ إن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة، وأول الغيث قطرة.. فمن أين تبدأ الرحلة؟! أتصور أنها لابد أن تبدأ من الرئاسة، وإلى أن تدب روح الانضباط في المؤسسات المدنية، يبدو- والله أعلم- أن الرئيس سوف يعتمد في الفترة القادمة على جزء من المؤسسة العسكرية (إلى جانب مهامها الكبرى) في قيادة عملية التنمية، خاصة تلك المشروعات التي سوف تنبثق عن قناة السويس الجديدة، وذلك ضمانا لتحقيق إنجازات عظيمة ورائعة في أوقات قياسية.. وهذا ما تنتظره مصر..

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية