إذا كان لى أن أطلب شيئاً من الرئيس السيسى، ومن رئيس وزرائه المهندس محلب، فيما بعد 6 أغسطس، فهذا الشىء هو أن يبدأ كلاهما عمله، فيما بعد هذا التاريخ، وأمام عينيه ما حدث فى المجتمع الأمريكى بعد حرب أكتوبر 73، ثم يذهب كلاهما إلى تطبيقه فى مجتمعنا بكل همة ممكنة.
وقتها، كما يذكر كل مصرى، بل كل عربى، قرر الملك فيصل، يرحمه الله، التضامن معنا كاملاً، فى الحرب، بأن أغلق حنفية البترول عن الولايات المتحدة، وعن دول الغرب المساندة لإسرائيل ضدنا وضد العرب، وكان أن قفز سعر البرميل فى السماء كما لم يقفز من قبل، وكان أن اكتوى الأمريكان بالأسعار الجديدة، ثم كان أن فكروا فى طريقة يتجنبون بها ما حدث، مستقبلاً، فغيروا سياراتهم الكبيرة التى تستهلك الكثير من البنزين، وجاءوا فى مكانها بسيارات يابانية أصغر، تستهلك بنزيناً أقل!
أنت، فى حالة كهذه، لست أمام شعب أمريكى تأثر بتداعيات منع البترول عنه، ففكر فى بدائل أخرى مؤقتة، أو حتى دائمة وفقط، ولكنك أمام شعب قرر أن يغير من عاداته وتقاليده فى الاستهلاك، وهى مسألة صعبة للغاية، خصوصاً عندما تكون على مستوى شعب بكامله، غير أنهم فعلوها وبنجاح!
تلك تحديداً هى الفكرة التى أريد أن تكون هى الشغل الشاغل لرئيس الدولة، ورئيس الحكومة، فيما بعد افتتاح القناة الجديدة، لأن افتتاحاً كهذا أتصور أنه يؤسس لمرحلة جديدة، ثم مختلفة، من العمل الوطنى المنجز على كل مستوى.
وما أقصده ليس العمل على تغيير عادات الناس وسلوكياتهم فيما بعد 6 أغسطس، على مستوى السيارات واستهلاكها من البنزين، وفقط.. لا.. إن موضوع السيارات وبنزينها مجرد جزء من الموضوع ولا يمثله كله، لأننا أحوج الناس إلى أن نغير من عاداتنا وسلوكياتنا فى مواقع العمل، والاستهلاك بشكل عام وليس فى البنزين أو الطاقة عموماً وحدهما، فللعمل الجاد، والمنتج، تقاليد وأصول لا نراها حاضرة فى أغلب عملنا، ولابد أن تكون حاضرة، وأن تكون مرعية.
إن وقوع مأساة مركب الوراق، أثناء الاستعداد لافتتاح القناة الجديدة، فى موعدها بالضبط، رغم أنف الإخوان الأغبياء والمتعاطفين معهم الأشد غباءً، إنما يدل على أن الانضباط الموجود فى القناة غائب كقيمة فى العمل عن النيل لمسافة ألف كيلو متر، وأن القناتين الجديدة والقديمة إذا كان لهما صاحب يجعل العمل فيهما بانضباط ساعة سويسرية، فإن النيل يبدو من واقعة المركب بلا صاحب، وبلا قيم فى العمل تحكم ما بين شاطئيه!
الشعب الأمريكى لم يغير عاداته فى الاستهلاك، بعد 73، من تلقاء نفسه، ولكنه وجد حكومة ترشده، وتوجهه، وتأخذ بيده، وتضبط أداءه العام، ثم لا تتساهل فى ذلك ولا تساوم ولا تفاصل.. وهو ما لا بديل لنا عنه إذا أردنا ما بعد 6 أغسطس بانضباط وإنجاز قناتنا الجديدة!