لم أشأ أن أكتب عن الدكتور عبدالقادر حاتم، فى زحام رحيله قبل العيد بأيام، وكان تقديرى أن الانتظار أياماً ربما يكون أفضل، لأن الرجل يرحمه الله كان يمثل قيمة فى مجالات ثلاثة عمل بها، بدءاً من الإعلام، مروراً بالثقافة، وانتهاءً بالسياحة، فلقد كان وزيراً للثلاثة، فى وقت واحد، ذات يوم.
ولابد أن يُشار للقيم التى أرساها الدكتور حاتم فى هذه المجالات الثلاثة، حتى يعرف الجيل الناشئ أن رجالاً، من قبل، قد مروا من هنا، وأنهم تركوا وراءهم ما يستحق الحفاوة، وما يستحق أيضاً أن نحرص عليه.
روى لى فى بيته أكثر من مرة أنه دخل على عبدالناصر يوماً، فوجده فى مكتبه مكتئباً حزيناً، وكان سبب حزنه أن الدودة فى ذلك العام قد أكلت القطن، وكان القطن، الذى يدور حوله جدل كبير هذه الأيام، يأتى لنا أيامها بما قيمته 12 مليون جنيه سنوياً، من العُملة الصعبة، وكان هذا الرقم مبلغاً ضخماً فى حينه، وكان هذا مبعث حزن عبدالناصر واكتئابه الذى وجده عليه حاتم، عندما دخل عليه.
همس هو فى أذن عبدالناصر بألا يحزن، ولا يبتئس، لأن هناك بديلاً يمكن أن يعوضنا عن فقدان القطن كمورد للدخل فى البلاد، وكان هذا البديل هو السياحة.. ولا شىء غير السياحة!
سأله عبدالناصر: كيف؟!.. فأجاب بأنه سوف يبدأ من لحظته فى إقامة عدة فنادق على شواطئ البلد الرئيسية، وأن هذا سوف يجلب دخلاً يعوضنا عن خسارة القطن.. وأكثر!
وقد كان هذا هو ما حدث، وكان الدرس الباقى من الموضوع كله، أن الدكتور حاتم قد أراد أن يقول لنا، إن لدينا ذهباً آخر، بخلاف الذهب الأبيض الذى عشنا عليه، وعلى دخله، سنين، وأن هذا الذهب الآخر، هو السياحة، لأن كل شىء فى بلدنا، بآثارها، وشواطئها، وشمسها، وإمكاناتها عموماً، بين الدول المجاورة على الأقل، يجعل منها المقصد السياحى رقم واحد بجدارة، لا أن يكون عندنا 11 مليون سائح بالكاد، فى كل عام، ثم يكون لدى تركيا 35 مليوناً.. فالعكس هو المفترض، وهو الممكن، وهو الواجب، بشرط أن يدرك القائمون على أمر البلد، أولاً، ثم يدرك القائمون على أمر السياحة، ثانياً، أن السياحة صناعة، وأنها ليست فهلوة، وأنها لن تعطينا نصيبنا العادل من حجمها عالمياً، دون جهد، ودون تخطيط، ودون تسويق، ودون برنامج عمل له أول، وله آخر، وله هدف يسعى إليه من أقصر طريق، وبشكل مباشر، ويصمم عليه.
الذهب الآخر الذى التفت إليه د. حاتم فى زمانه لايزال بين أيدينا متمثلاً فى ألف كيلو شواطئ على البحر المتوسط، ومثلها على الأحمر، وإمكانات أخرى لا مثيل لها عند غيرنا.. ولكننا لا نراه.. ولابد أن نراه!
انتهى الاجتماع، وسوف أجتمع بكم بعد عام من تاريخه، لأرى، وسوف أسخِّر كل إمكانات الدولة، خلال العام، من أجلكم، ومن أجل هذا الهدف!.. افعلها يا سيادة الرئيس وسوف ترى ونرى.