فى يوليو المقبل، سوف يضىء فندق النيل هيلتون على النيل من جديد، بعد أن انتهت شركة الريتز كارلتون العالمية من تجديده، بما يليق بموقعه على ضفاف النهر الخالد، وبما يجعله إضافة كبيرة لحركة السياحة فى البلد، ولكن بشرط أن يكون إضافة ضمن إضافات!
وحين قرأت خبراً عن قرب افتتاحه، فإننى كنت أسعد الناس، لأننى أعرف أن إظلام فندق على النيل، أو حتى فى أى مكان آخر، هو إغلاق لطاقة أمل أمام الناس، ولأنى أعرف أن السياحة، كنشاط، تظل هى الأكثر قدرة على فتح أبواب عمل أمام كثيرين من عاطلينا الملايين!
إن السائح حين يأتى، فإنه من لحظة خروجه من المطار، إلى عودته لبلاده، يظل مصدراً للرزق، بالنسبة لكثيرين، وفى كل خطوة يخطوها على أرضنا.. فهو يركب التاكسى، وهو يتردد على المطاعم، وهو يشترى ما يحبه من منطقة خان الخليلى، أو من غيرها، وهو يزور هذا المتحف، أو ذاك، وهو يتنزه فى منطقة الهرم، وهو يتجول فى الشارع، وهو يجلس على المقاهى، وهو يدفع من جيبه فى كل مكان يذهب إليه.. وهو.. وهو.. إلى أن يعود، وفى كل خطوة من هذه، فإن هناك مواطناً يبيع له سلعة أو خدمة، ويأخذ منه، فينتفع بالتالى ويجد رواجاً فى حياته!
ولو أنت ذهبت إلى منطقة الحسين، مثلاً، هذه الأيام، فسوف يزعجك للغاية مشهد الشوارع البائس هناك.. ففى وقت من الأوقات، كنت لا تستطيع أن تمشى فيها على قدميك، من شدة زحام السياح، وإقبالهم على محالها التى تعرض بضاعتها فى إلحاح على كل سائح، ولكنها اليوم تبدو ساكنة خامدة، ولا أثر لسائح فيها، وإذا حدث وصادفت أنت سائحاً فى شوارعها، فسوف يكون ذلك من الأمور النادرة، ولا تعرف متى يمكن أن يعود للمنطقة انتعاشها القديم، ولكن ما نعرفه أن على الدولة دوراً مهماً فى هذا الاتجاه، وأن إنعاش السياحة فى البلد فى حاجة إلى خطة معلنة لها مراحل، تمضى من مرحلة فيها إلى أخرى، ووفق جدول زمنى معلن أيضاً.
ولهذا، فبقدر ما أسعدنى خبر الإعلان عن قرب إعادة النيل هيلتون للعمل، وبقدر ما كان إيجابية وسط سلبيات بلا حصر حولنا، بقدر ما أحسست بأن العمل فى السياحة عندنا، من جانب المسؤولين عنها، لايزال عشوائياً، ولايزال بلا برنامج عمل واضح!
هو لايزال عشوائياً، لأن فندق شبرد الذى يبعد أمتاراً عن النيل هيلتون مغلق منذ سنوات، ولا أحد يعلم متى يمكن أن يعود ويفتح أبوابه لرواده، وفى المقابل منه على الضفة الأخرى من النيل، يغلق شيراتون القاهرة أبوابه أيضاً، ومنذ سنوات، ولا أحد يعلم كذلك، متى يمكن أن تضىء غرفاته، وعلى بعد أمتار منهما يستقر الميريديان، الذى رويت جانباً من مأساته فى هذا المكان صباح أمس!
وإذا كان هذا هو حال الفنادق على نيل العاصمة، فماذا عن سائر الفنادق فى باقى المدن.. وماذا عن 400 مركب سياحى ترسو على شاطئ الأقصر، دون عمل، وماذا.. وماذا؟ إلى آخر ما يجعلك تشك فى أن استعادة السياحة مسألة حاضرة بجد على أجندة المسؤولين عنها فى هذا البلد!
منظر شيراتون القاهرة، والميريديان، وشبرد على النيل، بوضعها الحالى، ينطق لك بأن ما نقوله فى السياحة لا نعنيه، ولا نعمل فى سبيله، وأننا مهرجون تماماً!