x

نادين عبدالله اليونان بعيون مصرية نادين عبدالله الثلاثاء 14-07-2015 22:17


أدهشتنا اليونان باستفتائها الذى رفض حزمة السياسات التقشفية المفروضة، ثم فاجأتنا لاحقًا بموافقة حكومتها على المضى قدمًا فى إصلاحات اقتصادية مؤلمة، فأزاحت بذلك شبح خروجها من منطقة اليورو. والحقيقة هى أن قراءة مقال وزير مالية اليونان السابق البروفيسور يانيس فاروفاكيس، القيادى بحزب سيريزا اليسارى الراديكالى الحاكم فى اليونان، فى جريدة الجارديان البريطانية بتاريخ 18 فبراير، يلقى الكثير من الضوء، على منطق الاختيارات الحصيفة التى اتخذها الحزب مؤخرًا. وينطلق فاروفاكيس فى هذا المقال من رؤيته الأكاديمية والفكرية اليسارية المناهضة للرأسمالية من ناحية، وموقعه كوزير للمالية مضطرًا للتوفيق بين الناخبين الرافضين للسياسات التقشفية والدائنين الأوروبيين من ناحية أخرى. وبغض النظر عن مدى اتفاقنا الفكرى مع ما جاء فى المقال، فإن ما نجده مثيرًا هو إصرار كاتبه على تقديم تحليل عقلانى وإصلاحى رغم صعوبة الاختيارات، ومزايدة المتطرفين من الجانبين.

فيؤكد فاروفاكيس أنه من المتوقع أن يكون لخروج اليونان من منطقة اليورو تأثير كرة الثلج التى ستدفع إلى تفكك منطقة اليورو، وربما النظام الرأسمالى الأوروبى لاحقًا، وهو ما يتمناه باعتباره يساريا عتيدا. ولكنه، يشرح أن مثل هذا التفكك سيسفر، فى المقابل، عن ركود فائضى فى شرق نهر الراين، وإلى الشمال من جبال الألب، وركود تضخمى فى بقية أوروبا. ويقدم فكرته بوضوح متسائلاً: «من سيستفيد من ذلك؟ اليسار التقدمى؟ أم فرق النازيين الجدد؟ بالتأكيد الجواب الثانى».. ويكمل: «لذا لو كانت مهمتنا هى منع انهيار النظام الرأسمالى، ليس حبًا فى البنك الأوروبى، لكن فقط تقليلاً للخسائر المتوقعة من انهياره، فليكن هذا دورنا». «ليس من فرصة حاليًا لولادة بديل أفضل للرأسمالية، بل ستسقط أوروبا إثر انهياره أسيرة لقوى رجعية قد تنهى فرصة تقدمها لأجيال قادمة». «لدينا إذن مهمة متناقضة: منع سقوط الرأسمالية الأوروبية بهدف شراء الوقت لتجهيز بديل لها».

لم أستطع بعد قراءتى الممتعة للمقال الطويل للقيادى بحزب سيريزا، إلا المقارنة بين منطقه، وبين اختيارات القوى السياسية فى مصر إثر ثورة 25 يناير - اختلاف مدهش وكلمة السر واحدة: إدراك موازين القوى وحساب تكلفة كل اختيار. ففى الوقت الذى أدرك فيه فاروفاكيس أن مزيدا من الضغط مع غياب البديل سيسقط البلاد فى يد قوى رجعية، وقعت المجموعات «الثورية» فى مصر، أسيرة فخ الاحتجاج المستمر. فبدلا من أن تسعى للتوافقات السياسية، وتكسب الوقت لبناء بديلها السياسى وصناعة قواعدها التنظيمية، تخيلت أن «الثورة مستمرة». ومع تحمل المجتمع لضغوط وفوضى لا طاقة له عليها، ارتدت أغلبيته عن إيمانها بالتغيير لصالح من بدا لهم البديل الوحيد.

أما النصيحة الختامية التى أنهى بها فاروفاكيس مقاله فهى التالية: «ما يجب فعله هو من ناحية، تجنب المغالاة الثورية التى ستساعد فى نهاية المطاف على تجاوز نقد السياسات النيوليبرالية، ومن ناحية أخرى، السعى لإبراز تناقضاتها، مع العمل، لأغراض استراتيجية، على حماية النظام الرأسمالى من نفسه». فلو كان حزب سيريزا اليونانى لديه رؤية مغايرة للنظام الرأسمالى، وعرض أحد قياداته، فى السطور القليلة السابقة، سبيلاً لتحقيقها، فإن هذا المنطق لابد ألا يختلف حينما يتعلق الأمر بالنظام السياسى فى مصر.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية