x

د. ياسر عبد العزيز هل ننجح فى صد «الحرب اللامتماثلة»؟ د. ياسر عبد العزيز السبت 11-07-2015 21:35


يختلف كثيرون فى منشأ مصطلح «الحرب اللامتماثلة»
(Asymmetric Warfare)، لكن يبدو أن أول تعبير متماسك عنها ورد فى بحث نشره «أندرو ماك» فى دورية «السياسات العالمية»، فى العام 1975، تحت عنوان: «لماذا تخسر الأمم الكبيرة الحروب الصغيرة؟ سياسات الصراعات اللامتماثلة».

يذكرنى هذا العنوان بحديث الرئيس السيسى عن واقعة «الأربعاء الدامى»، بعدما تحقق النصر لقواتنا المسلحة الباسلة، فى مواجهتها لتنظيم «داعش»، يوم أول يوليو الجارى.

لقد أشار الرئيس إلى أن «1% فقط من الجيش المصرى فى سيناء»، بما يعنى أن تلك المعركة المهمة، والتى وضعت قدراتنا القتالية كلها على المحك، كانت تجرى بين 300 عنصر إرهابى (حسب تقديرات رسمية) من جانب، وأقل كثيراً من 1% من قواتنا المسلحة (حسب تأكيد الرئيس).

إذن فـ«الحرب اللامتماثلة» تقوم على استنزاف الأمة/ الدولة الكبيرة، وتفتيت قدرتها على الفعل الصلب القوى، عبر استدراجها إلى منازلات محدودة ومتعددة، بغرض إرهاقها، وسلبها تركيزها، وإذلالها إذا أمكن.

يقول فيلسوف الحرب الأشهر «كارل فون كلاوسفيتس»، فى مؤلفه المعنون «حول الحرب»: إن الحرب «حرباء» تستطيع تلوين نفسها باستمرار، وإن القدرة الإبداعية للاستراتيجيين هى التى تجدد طاقة العنف، وتلهمها بأفكار جديدة، لتحقيق الانتصار أو صد العدوان.

ولأن تباينات القوى كانت حاكماً رئيسياً لنتائج المنازلات العسكرية على مدى القرون الفائتة، فقد تفتقت أذهان الاستراتيجيين المبدعين عن حل جديد يقوم على محاولة «إيجاد الأساليب القادرة على تقويض التفوق الذى تتمتع به الجيوش النظامية والدول المتماسكة، من خلال تكتيكات مستحدثة، وعمل منسق ودائم»، كما يقول الجنرال «مارتن ديمبسى».

واستناداً إلى ذلك، يؤكد المحلل الاستراتيجى الأمريكى «وليام ليند» على مفهوم «اللامركزية» فيما يتعلق بـ«الحرب اللامتماثلة»، فيصفها بأنها «صراع يتميز بعدم المركزية وعدم التماثل بين الأسس والعناصر المتحاربة».

يرى البعض أن مفهوم «الحرب اللامتماثلة» (يسميها البعض حروب الجيل الرابع) أسطورى، وليس له وجود فى الواقع، ويدفع آخرون بأنه «اختراع أمريكى لتبرير العجز فى مواجهة الحركات الراديكالية»، ويذهب بعض هؤلاء إلى أن استخدام هذا المفهوم فى الواقع المصرى ليس سوى «محاولة يائسة من السلطة لتبرير القمع والاستبداد، عبر الإيحاء بأن الدولة تتعرض لمؤامرة». إن هذه الدفوع بائسة، وبعضها أحمق، ومعظمها يتجاهل الحقائق الساطعة على الأرض.

فى محاضرة مهمة ألقاها البروفيسور الأمريكى «ماكس مانوارينج»، فى العام 2012، نصح الرجل القادة العسكريين الغربيين مباشرة بتبنى مفهوم «الحرب اللامتماثلة»، قائلاً بوضوح: «إن تبنى سياسات (الحرب اللامتماثلة) على مدى طويل، وتنفيذها تدريجياً بدأب، سيقود العدو إلى أن يستيقظ يوماً ما فيجد نفسه ميتاً».

وببساطة شديدة، فإن وسائل «الحرب اللامتماثلة» هى الاعتماد على «العدو» لتدمير نفسه، إذ سيبقى المقاتلون المتمردون والإرهابيون مندسين بين صفوف المواطنين، وسيخرجون ليضربوا القوات النظامية، ثم يعودوا إلى «حضن الجمهور»، ليختفوا قبل أن يخرجوا من جديد.

سيتم استنزاف الدولة وجرها إلى مواجهات خاطفة، وسيتم تصوير أفراد القوات النظامية وهم صرعى أو أسرى فى أوضاع مهينة ومذلة، وسيترافق هذا مع إطلاق حملات إعلامية لترويع عائلات الجنود والقضاة والمسؤولين، وستشيع وسائط التواصل الاجتماعى أجواء من السخرية الحادة والفاقعة من كل ما هو رسمى ووطنى.

سيترافق هذا مع استهداف منهجى للمرافق الحيوية، وضغوط دولية لتشويه السمعة، وتعثر فى الوفاء بالاستحقاقات المالية الداخلية والخارجية، وهبوط فى العملة، وضرب للسياحة، وإشاعة لليأس.

وفى خضم كل هذا السواد، ستنجح قوى ميليشياوية متفرقة فى السيطرة على جيوب صغيرة وإخراجها من تحت سلطة الدولة، وستزرع أعلامها عليها، فيما ستُغل المنظمات الدولية والإعلام المتواطئ يد الحكومة، وستطالبها حتى باستخدام «الرأفة والرقة» فى التعامل مع الإرهاب.

تريد «الحرب اللامتماثلة» أن تجعلنا ننهار ونتآكل، وأن تفقدنا إرادة الدفاع عن أنفسنا وعن هويتنا، وأن نقوض بأيدينا أعرق دولة على وجه الأرض، وهو أمر أبعد من المستحيل.

هذه الدولة ولدت لتبقى، وهى لن تفنى أبداً بإذن الله.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية