x

جمال الجمل مقال صعيدي واعر.. (من قصص الحرب ضد الإرهاب 2) جمال الجمل الخميس 09-07-2015 06:13


إذا كنت لا تعرف حمدي عبدالرحيم، فمن الأفضل أن تعرف ولو شيئا قليلا عنه قبل قراءة هذا المقال، لأنك لو تجرعت المقال من غير هذه المعرفة فقد تصاب بعسر فهم، وربما تعاني من أعراض وتشنجات لاداعي لها.

حمدي رجل صعيدي من الأصلي، لم يخضع لأي تعديلات مثل التي جرت على موديلات أخرى من طراز أحمد موسى، أو مصطفى بكري، وسواهم ممن فقدوا صفات «الموطن الأصلي»، فقد ظل حمدي ساطعا حارقا صادما كاشفا، كشمس الصعيد، يمكن أن يضع فوهة البندقية في رأسك، لينبهك أنه يقول لك: صباح الخير، يحمل على وجهه جبل من صخور الشقاء، وفي قلبه نعومة مياه النيل، لذلك لا يعرف الاختراع الهلامي الذي يسميه الناس «المجاملات»، ولا يعرف إلا طريق واحد للحقيقة، يمشي فيه حتى لو كانت نهايته (نهاية الطريق) هي نهايته (نهاية حمدي).

قبل أيام حاول حمدي أن يكتب عن قانون الإرهاب، ويبدو أن أحدهم أخذ يزن عليه: إعقل يا حمدي.. استهدي بالله ياحمدي.. استغفر الله، بلاش ياحمدي.

وانتهت المحاولات إلى «بوست» حاول الصعيدي فيه لأول مرة أن يستخدم فنون البلاغة، ويلجا إلى التورية والمجاز، فكتب نصا نقديا من نوع الكوميديا الكحلي في البني تحت عنوان «من ذكريات الزيطة» قال فيه:

من حوالي 25 سنة الحكومة عملت قانون، مش فاكر كان 101 أو 103 (يقصد قانون النقابات الفنية رقم 103 لسنة 1987).. المهم إحنا بعون الكريم عملنا زيطة جامدة جدًا ضد القانون ده، زيطة دون موبايل ولا نت ولا تويتر ولا فيس بوك ولا فضائيات، عملنا الزيطة بدون وجود واحد على عشرين من عدد الجرائد والمجلات الموجودة حاليا.

طبعا مش فاكر إحنا زيّطنا على إيه لأني مش فاكر القانون نفسه، بس فاكر إن الزيطة بتاعتنا وإحنا شوية عيال صحفيين سمعّت فوق، فأبونا الذي فوق بعت لنا الأستاذ سعد الدين وهبة علشان يتفاهم معنا، سعد دعانا إلى جلسة نقاش مفتوح في أكبر قاعة في الهيئة العامة للكتاب علة كورنيش النيل، طبعا روحنا هو إحنا حد يهمنا.

المرحوم سعد كان عُقر ومدرب كويس على امتصاص موجات الزيطة فبعد أن حمد الله وأثنى على القانون بص لنا وقال: عايزين النقاش يكون مرتب علشان نخرج منه بفايدة، مين منكم يا أساتذة يقف ويشرح بهدوء وجهة نظركم، ويتكلم عن المواد اللي مش عاجباكم في القانون؟.

يا ليلة سودا.. كل واحد فينا بص للتاني وتنحنا

دي كانت ذروة الدراما الإغريقية، تصدق بالله ولا واحد رفع إيده، طيب والختمة الشريفة شكلنا كدا واحنا مبلمين يؤكد إن ما فيه واحد فينا قرأ القانون.

الراجل العقر حب يكسبنا ستة صفر (أكيد حمدي يقصد 6/1 لأنه زملكاوي وعنده عقدة من الهزيمة دي بالذات) فقال: إيه رأيكم يا شباب إن الأستاذة فلانة تتكلم بلسانكم؟

الأستاذة فلانة دي كانت كبيرة عنا بكتير ومشهورة جدا وخبرة نضالية زي خبرة السلعوة في العض كدا يعني.

إحنا قولنا (ههههههه) موافقين طبعا.

وقفت السيدة وعينيها زايغة ونفسها مقطوع من الخضة وقعدت تتكلم واحنا نصقف، وسعد يضحك لغاية ما خلصت الهرتلة فقال لها وهو ميت من الضحك: ياريت تفوتي عليا بكرة تاخدي نسخة من القانون.

معظم اللي بقراه واللي بسمعه وحتي اللي بشوفه بعينا بيفكرني بمنظرنا وإحنا بنزيَّط على حاجة مش فاهمينها ولا نعرف عنها حاجة اصلا.

انتهى «البوست» الذي كتبه حمدي بسلام دون أن يشير من قريب أو بعيد إلى قانون الإرهاب، ولا اعتراضات نقابة الصحفيين، ولا تأييد المؤيدين، ولا إشكالية المادة 33، ولا كرة النار التي يرميها الهنيدي على الزند، ولا محاولة الحكومة استخدام حيلة الحاخام في وضع الخنزير داخل القانون، ثم تمرير القانون بعد إعادة الخنزير إلى مكانه خارج القانون!

لكن الخطير فيما قاله الصعيدي الحارق المارق، أن هناك زيطة بلا فهم، والحشد يتم بطريقة: معانا ولا معاهم؟، فمثلا معظم الذين يعارضون مادة الحبس كانوا قبل أسابيع يقفون على نواصي «الفيس بوك» ويصرخون للمطالبة بسرعة حبس أحمد موسى (طبعا أنا لدي أمنية خاصة في حبس موسى وعَينَته، لكن والله بالقانون ومن أجل القانون)

المهم أن صديقا شعر بالغيظ من إعجابي ببوست حمدي، فسألني متحديا: يعني أنت مع قانون يحبس الصحفيين؟

وكنت قد أجبت على هذا السؤال في أكثر من مناسبة قبل ذلك، فقلت لا باس في الإعادة إفادة، فقلت له: ياعزيزي إذا كنت مع حبس رئيس الجمهورية ومحاكمة الوزراء، هقف ضد حبس الصحفيين، عشان أنا صحفي؟.. أنا مبدأي هو المحاسبة على قدر المسؤولية، وإذا كان الإعلام شيئا مهما وعظيما، فإنه يجب أن يتحرى الدقة، ويعيد المصداقية لما ينطق به، وإذا لم ينص القانون بضرورة الاعتماد على البيانات الرسمية في قضايا الإرهاب، والجرائم الكبرى، وكل ما يمس المجتمع وسلامته، فإن رئيس التحرير يجب أن يقوم بذلك، ومن أخطا بتلويث سمعة مواطن بريء، أو أضر بأمن الوطن، أو نشر بيانات كاذبة دون تدقيق ورجوع لمصادر تتحمل مسؤولية أي خبر، فلابد أن يعاقب.

هذا إذا كنا نريد أن ننتصر للإعلام ولمصداقيته، فالالتزام بالقواعد المهنية هو في حد ذاته أكبر حماية للمهنة وللعاملين فيها، أما صحافة «كلم الواد فلان يقول كذا، وبلغ البت بتاعتنا..» فهذا هو الاحتقار والتدني والعشوائية، ولا بد أن يحترم الإعلام نفسه ويعرف حجم المسؤولية المنوطة به، لكي يجبر الدولة والمجتمع على تقديره واحترامه، لكن الصحفي ليس على رأسه ريشة لكي يخطئ في الأفراد والمؤسسات والوطن، ونقول أصله استثناء لأن هذا طبيعة عمله.

يا زميلي مارس عملك بكل حرية، وقوة، وتحقق، ودقة، لا تنتظر مكرمة من أجهزة، ولا تخشى في الحق سجنا ولا بطيخ، المهم أن مهنة الحقيقة لا تضلل ولا تنشر الهراء، ولاتبرر انحرافها عن الحقيقة، جريا وراء فرقعة تغازل زبون «الفرشة» وصحافة اقرا الحادثة.

وأخيرا.. أظن أنني بهذه «الغشومية» استحق الحصول على الجنسية الصعيدية.

جمال الجمل

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية