توضيحات لمن لا يعرفني، ولمن يعرفني أكثر، وأرجو أن يكون كلامي واضحا، وبديهيا، وليس به أي درجة من درجات الصدمة:
(1)
الحديث الذي يلي إراقة الدم ويعقب عمليات القتل، غالبا ما يكون ساخنا إلى درجة الإحمرار، ومتوترا بما يكفي للتحريض السهل على إراقة المزيد من الدماء، وفي أهدأ الأحوال غالبا ما يشهر المحرضون سيف القصاص، وهم يخفون وراء ظهورهم خناجر الانتقام، والتشبيه «لا يحتاج إلى شرح كثير، فنحن مجتمع لبيب، مفرط الذكاء».
(2)
تعمدت في مقالاتي بعد اغتيال النائب العام، أن أبتعد عن موجة التحريض المتوقعة، من دون أن أقع في التهوين، أو القبول بأي نوع من القتل السياسي أو الشرعي، لكن هذه المقالات لم تصل للعنوان، ربما لأنها طرقت الباب ولم يفتح لها أحد، وربما استقبلها البعض دون أن يفهم المطلوب، لأن الرسالة التي تضمنتها كانت تلغرافية ومغلقة بعض الشىء، و«تحتاج إلى شرح كثير، فنحن مجتمع متوجس، مفرط الشك».
(3)
لي أصدقاء من الإخوان، وأصدقاء متعاطفون معهم، وأنا أعتز بهم كأفراد، ومتمسك بصداقتهم، وأثق في إخلاصهم، ومتأكد من نبذهم للعنف، ورفضهم للقتل، وأي حديث من جانبي عن الإخوان كجماعة سياسية، لا يرتبط بموقفي من الأفراد ومن الأفكار الإصلاحية السلمية النافعة التي تشكل مرجعية الإخوان كما أحب أن أفهمها كرافد من روافد المشروع الحضاري العربي الإسلامي بعيدا عن مؤامرات الحكم وصراعات التنظيمات السياسية، وفي رأيي أن الجماعة مثل تنظيمات كثيرة في العالم، تم الاستيلاء عليها من داخلها، وصبغها بلون الدم، وهي ليست كذلك طالما ظل هناك فرد واحد متمسك بالأفكار الإصلاحية الأولى للجماعة كقوة عون وتقويم وإصلاح من داخل المجتمعات المسلمة، على أن يشهر ذلك الفرد أفكاره الصحيحة في مقابل الأفكار المنحرفة، حتى لو كان وحده مثل أبي ذر.
(4)
ماذا يعني هذا الكلام الرومانتيكي الساذج؟
(5)
يعني أن أي محاولة لتصحيح جماعة الإخوان يجب أن تبدأ من داخلها، سواء كانت المراجعات الفكرية تأكيدا على ما فات، أو تصحيحا وتدقيقا للمفاهيم بما يلائم صحيح الدين، ونبل العقيدة، ومواثيق العصر الذي يعيش فيه إنسان القرن الحادي والعشرين.
ويعني أيضا أن الفرد الإخواني عليه أن يفكر في المأزق الذي يمر به: هل هو عضو في عصابة تقوم على فكرة المغالبة والاقتتال وقنص السلطة، أم أنه فرد في جماعة دعوية لنصرة العدل والحق وخير الإنسان بما يتوافق مع الأديان والقيم العليا، وأن هذه الدعوة «بالحكمة والموعظة الحسنة» يمكن أن تستمر من أي موقع وليس بالضرورة من داخل قصر الحكم؟
(6)
مأزق «المؤمن الحق» يرتبط تاريخيا بسؤال الحكم، وميراث الدم الذي ينبثق من الاصطدام بأسلحته المهلكة
فيا أخي الإخواني:
* هل يمكنك أن ترى نفسك مسلما حقا وأنت خارج السلطة تدعو إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة؟
* هل يمكنك أن تقبل بمواطنة تحترم حرية الاختلاف في العقيدة، وضرورة المساواة أمام الشريعة؟
* هل يمكنك أن تتذكر حرمة الدم وقتل النفس إلا بالحق؟
* هل يمكنك أن تعترف بأنك مجرد مواطن ولست أنت «الحق»؟
* هل يمكنك إذن أن تتبرأ من أي عنف وقتل يرتكبه مواطن ضد مواطن.
* وأخيرا يا أخي الإخواني، هل يمكنك أن تفكر بقلبك ورأسك بعيدا عن تأثيرات الفرق والشيع والأحزاب؟، أليس ذلك إلى الله أفضل، ومن العقيدة أقرب؟.
(7)
إخواني الذين اعتز بهم، وإخوان الذين يعتزون بالسلطة، تذكروا معا أن أول وأخطر فتنة قسمت أمة الإسلام، بدأت بالابتعاد عن العدل، وتأججت بالصراع المحموم على السلطة، ومهما كانت السباب التي ساقها أنصار الطرفين، فقد كانوا جنودا من مشعلي الحرائق وموقظي الفتنة.
أفيقوا جميعا (وأنا معكم) قبل أن تحل علينا اللعنات.
(7+1)
أدعو الجميع لبراء وولاء مدني، لماذا لا نعلن البراء من الدم والولاء للوطن، ونرفع هذا الشعار في أي مكان يتيسر لنا، في القلب والعقل وصفحات الفيس بوك، ونعتبره أول سطر في عقد اجتماعي جديد، نحن في أشد الحاجة إليه قبل أن يتعمق خلافنا وتذهب ريحنا.
وكل عام وأنتم إلى الله أقرب وللناس أنفع.
جمال الجمل