x

جمال الجمل حساب المصلحة في حديث المصالحة جمال الجمل الجمعة 03-07-2015 06:44


لاوقت للتأمل، ولا مجال لعبارات الحكمة الهادئة، فالمسؤولية أخطر من أن تنتظر تحليلاتنا الثقافية، فلا صبر على إرهاب، ولا صبر على نزيف، ولا صبر على وطن غارق تحت الماء.. تحت الدم.

عندما كتبت ذلك في مقالي السابق، لم أكن أتخلى عن علاقتي بالتاريخ، ولا أتنصل من دور الثقافة، ولا أقلل من دور الحكمة في معالجة أي قضية، لكنني فقط كنت أوضح ما هو واضح للجميع، فالإسعافات الأولية لوقف أي نزيف، ليست بديلا عن الجراحة الاحترافية أو مضادة لعلوم الطب، وانتشال الغريق لا يتطلب إذنا (ولا تفويضا) من أحد.

الإرهاب سرطان مدمر، وظهوره يعني أن الخلايا المصابة قد وصلت إلى درجة تحدي المناعة، وبدأت في نقل شيفراتها الخادعة للخلايا السليمة، وأعتقد أن عنصر الزمن في مواجهة السرطان من أهم العناصر.

كلماتي العملية في المقال السابق تعني أنني لست في حالة الاسترخاء التي تدفعني للسؤال عن السبب، ومحاولة إلقاء التهم في مواجهة ذا وذاك، فهذه السجالات العلمية مهمة في معامل البحث والفحص، أما بالنسبة لي، فأنا لا املك ترف الجدال النظري، أو الخلاف حول الأسباب التي أدت للإصابة بهذا المرض اللعين، كل ما يعنيني الآن هو وقف زحف المرض، وتدمير الخلايا المصابة، وهذا قد يضر ببعض الأعضاء السليمة، وقد يؤثر على المظهر العام، إنما لا بأس..

يمكننا أن نتغاضى عن البثور القبيحة، ونتحمل الشعور بالغثيان والتقلصات، ونحلق شعر رأسنا قبل أن يسقط من نفسه تحت ضربات العلاج الحارق. يمكننا أن نتحمل أكثر من ذلك، إذا كان هذا الثمن هو سبيلنا إلى العلاج، لكننا لن نسمي المرض صحة، لن ننخدع بالشيفرة الزائفة التي ترسلها الخلايا المسرطنة للخلايا السليمة، فتسمي الإرهاب «جهادا»، أو «نفورا في سبيل الله لتأسيس دولة الإسلام»، أو «كفاحا مسلحا» ضد أعداء أو طغاة، فالإرهاب اكتسب قدراته السرطانية من هذا الخداع، ومن تمييع تعريفه، وخلطه بأغراض ضبابية غائمة ساهمت في صنعها دول كبرى، كانت تخطط لتخليق ذلك السرطان المخيف لتدمير مجتمعاتنا من داخلها عن طريق تضليل وتجنيد خلايا الجسد الاجتماعي، فالانتماء للغة والدين والجغرافيا يعتبر في حد ذاته أكبر غطاء للتخفي وتمرير الشيفرات المضللة بطرق يصعب اكتشافها إلا في وقت متاخر، بحيث يكون المرض قادرا على تحدي الصحة، والخطأ في موقف يجابه الصواب.

لن اسعى إلى تحسين الصورة، أو ممارسة درجة أقل من التضليل، فأحدثكم عن قدراتنا الأمنية الفذة، وعن الإرهاب باعتباره بعوضة يستطيع الجندي أن يسحقها بحذائه. هذه المواجهات قصة منتهية دخلت في دائرة القاتل والمقتول، ولا مجال فيها للحديث عن استراتيجيات التعليم والثقافة والإعلام، فهذه الوسائل تصلح لحماية الخلايا السليمة وتحصينها من الإصابة، أما الخلايا التي تسرطنت فلا سبيل إلا استصالها وتطهير الجسد منها، فقد توحشت واتخذت من مفهوم «إدارة التوحش» وإثارة الفزع والترويع منهجا لها، كما سجل أبو بكر البغدادي في أحد مؤلفاته.

الأمر لا يحتاج إذن إلى حزلقة مثقفين، ولا نظريات ناعمة تخلط قصدا (أو جهلا) بين فاسد انتهى أمره، وفاسد يمكن إصلاحه، وصالح يمكن إفساده.

أقول هذا لكي أوضح بما لا يحتمل أي شك، أن من يرفع السلاح ضد الوطن، فهو عدو رفع بيده تصريح قتله، إنهم يتحدثون عن ثنائية «الولاء والبراء» كتبرير لحذف أمثالنا من الوجود، ونحن نطالب بالولاء لسماحة الأديان، واستقرار الأوطان ومكتسبات العقل الإنساني، والفارق بيننا وبينهم كبير وحاد.

لا مجال بعد كل هذا الفراق لمزايدات سطحية عن المصالحة مع أي إرهاب من أي نوع بأي درجة، فلا حقوق لمن لا يحترم حق أبناء الوطن في الحياة، ولا حرية لأعداء الشعب، مهما كانت المبررات التي تنطلق في ثوب الحق لتفسح الطريق للباطل وتمنحه الفرصة في تلويث حياتنا بالفزع والدم.

أيها الحكماء المتخصصون في الحديث عن إرهاب الدولة ودموية الشرطة، لست أقل منكم أخلاقا ولا وطنية، ولا قدرة على معارضة الظلم والجور، وأعتبر المسؤول الذي يسرق مواطنا أو يعذبه أو يقتله مجرما يستحق العقاب بالقانون، لأنه لم ولن يجرؤ أن يبرر هذه السرقة وذلك التعذيب والقتل باعتباره شرعا وشريعة يستحل بها دماء الناس، أما الإرهاب فهو يقلب الحقائق، يقتل الناس ويجعل الجاني بطلا والمجني عليه مجرما وكافرا أيضا.

الخلاصة: لا مصالحة مع أي من يمارس قتل المصريين أو يؤمن بأفكارهم، أو يتعاطف معهم، وعل الجميع أن يعلن موقفه بوضوح من هذه القضية الفاصلة، فلا مجال لمساومات فكرية وثقافية إذا وصلت القضية المطروحة إلى ثنائية «يا قاتل يا مقتول».

وأرجو أن يكون كلامي واضحا إلى درجة الصدمة.

جمال الجمل

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية