يصر الدكتور مدحت العدل (في الحلقة الخامسة عشر) أن يكون ملكيًا أكثر من الملك. في مشهد الكيبوتس، يقف شاب صهيوني متحدث بحماسة أمام أعضاء الكيبوتس، ومن بينهم ليلى وموسى، وبغض النظر عن حديثه على ضرورة التدريب على السلاح، إلا أن الرجل يتحدث عن المساواة داخل الكيبوتس، وأنه لا فضل لأحد على أحد، ولا فرق بين أحد وأحد.
ورغم أن الحركة الصهيونية حاولت طوال الوقت رسم هذه الصورة، إلا أن هناك، من المؤسسات الصهيونية الرسمية من يتبنى رواية أخرى، فالموقع الإلكتروني لوزارة الخارجية الإسرائيلية، يؤكد أن الكيبوتسات «لم تحقق نفس القدر من النجاح في استيعاب اللاجئين اليهود، الذين قدموا من الدول الإسلامية إبان الخمسينيات، فكان أبناء الكيبوتسات ومعظمهم ينحدرون من أصل أوروبي وعلمانيون ومن أبناء مفكرين، يميلون إلى التعامل معهم من منطق الشك بصفتهم بشكل عام أكثر تدينًا وأقل تعليمًا رسميًا.. وكانت هذه الفكرة تتناقض وفكرة تقاسم العمل بشكل متساوٍ».
ورغم الرواية التي تعترف بها وزارة الخارجية الإسرائيلية نفسها، ظهرت ليلى وشقيقها موسى في الصف الأول في الكيبوتس، وظهر أيضًا التفاوت في الملابس المدنية (ومن بينها فساتين) التي يرتديها أعضاء الكيبوتس، رغم أن معظم الكيبوتسات في هذه الفترة كانت تتبنى زيًا موحدًا، يشبه إلى حد كبير الزي العسكري، وهو ما يتوافق مع طبيعة الكيبوتس نفسه.
والكيبوتس، كما يقول الدكتور عبدالوهاب المسيري، شأنه شأن أية مؤسسة استيطانية إحلالية، إنه مؤسسة عسكرية بالدرجة الأولى، فعلى سبيل المثال، كان اختيار موقع الكيبوتس يتم لاعتبارات عسكرية بالدرجة الأولى، ثم لاعتبارات زراعية بالدرجة الثانية. وتظهر طبيعة الكيبوتس العسكرية في أن أعضاءه لا يتدربون على الزراعة وحسب، وإنما على حمل السلاح أيضاً.
والحقيقة أن الكاتب بالغ في إظهار الكيبوتسات في المسلسل، فوضع كل من هاجر إلى فلسطين المحتلة في كيبوتسات، رغم أن عدد أعضاء الكيبوتسات في هذه الفترة لم يكن يتجاوز 6% من عدد السكان في إسرائيل، وهي نسبة أقل بكثير من تأثيرهم السياسي والأيديولوجي والثقافي في الكيان الناشئ، واستخدمت إسرائيل الكيبوتسات كوسيلة لدمج المهاجرين القادمين من أماكن مختلفة في العالم، والمنتمين لثقافات مختلفة في العالم، في محاولة منها لخلق شعب واحد، فكان يتم تعليم اللغة العبرية فيها، بل وكان يتم أيضًا تهويد بعض اللاجئين فيها.
ورغم أن التسلسل الطبيعي والمنطقي لأحداث المسلسل، يجعلنا في بداية العام 1951 في الحلقة الخامسة عشر، وهو العام الذي بدأت فيه المقاومة المسلحة ضد الإنجليز في قناة السويس، بعد إلغاء معاهدة 36، كما ظهر أيضًا في الحلقة، إلا أن المؤلف يقع في هذه الحلقة أيضًا في نفس الخطأ، الذي وقع فيه في معظم الحلقات السابقة، فيُقدم ويُؤخر الأحداث التاريخية، دون مراعاة لتسلسل تاريخي للأحداث، حيث نجد المؤلف يعود بنا مرة أخرى إلى عام 1949، في مشهد الكيبوتس الإسرائيلي، عندما يقول القائد الصهيوني في الكيبوتس: «اللي عمله هتلر معداش عليه سنين»، والمعروف أن الحرب العالمية انتهت هي وهتلر نفسه في عام 1945.
وبمناسبة التداخل في الأحداث التاريخية بالمسلسل، يُصر المؤلف أيضًا على إظهار الوجود الإنجليزي في القاهرة، خلال أعوام 1948 وما تلاها، حيث يدير الإنجليز البلد عن طريق تعيين الفتوات، رغم أن اتفاقية 1936، التي وقعها النحاس باشا قصرت الوجود الإنجليزي في مصر في منطقة القناة، وانتهى الوجود الإنجليزي تمامًا في القاهرة عام 1947، عندما انسحبت القوات الإنجليزية من ثكنة قصر النيل، ورفع عليها الملك فاروق العلم المصري.
من حق المؤلف أن يضع على لسان شخصياته ما يشاء وما يتوافق مع طبيعة الشخصية نفسها، لكن عندما يتعلق الأمر بالروايات التاريخية غير المتفق عليها، فإن عرض رواية دون أخرى، يعني تبني هذه الرواية من المؤلف نفسه، هكذا تم التعامل في المسلسل مع قضية ما يسمى بـ«الشعب اليهودي»، وإظهاره، كما سعت وتسعى الحركة الصهيونية، على أنه شعب واحد، ينتمي إلى يعقوب، والحقيقة أن مدحت العدل بتبنيه لهذه الرواية يحول قاتل مثل بنيامين نتنياهو إلى ابن نبي، هو يعقوب عليه السلام.
خلال الحلقات الماضية كانت الرواية المتداولة على لسان كافة شخصيات المسلسل هي أن اليهود هم شعب واحد وعرق واحد، وليسوا مجموعات دينية عاشوا في بلاد مختلفة، يظهر هذا بالحديث عن أفران الغاز وكأن يهود مصر هم من كانوا يحرقوا فيها، وبالحديث عن أن الله كتب على اليهود المعاناة، ثم الحديث عن أن من يعيشون في مصر خلال هذه الفترة هم أحفاد من خرجوا مع موسى عليه السلام من مصر، والحقيقة أن هذه الرواية كما قلت تجعل من القتلة أبناء أنبياء، وتستخدمها الحركة الصهيونية في الادعاء بأن أرض فلسطين ممنوحة لها بوعد إلهي.