x

عن الحلقة (11) من «حارة اليهود»: الإخوان اغتالوا النقراشي في 1950 وقتلوه في 1948 (تحليل)

الأحد 28-06-2015 21:25 | كتب: أحمد بلال |
مشهد من مسلسل «حارة اليهود» مشهد من مسلسل «حارة اليهود» تصوير : آخرون

ليست العبقرية أن تسرد الأحداث التاريخية في سياقها التاريخي، وإنما المصداقية والمنطق، فلا يمكن بأي حال من الأحوال الحكم على موقف تاريخي إذا نزع من سياقه، ولا يمكن أيضًا الحكم على موقف تاريخي إذا وضع في سياق آخر، بمعنى أنه لا يمكن الحكم على موقف حدث في عام 2010 على سبيل المثال، بمعايير 2015، فالنهر جرت به مياه كثيرة، والمرء لا ينزل النهر مرتين، وهكذا يكون الحال بالنسبة حتى للأعمال الدرامية.

على كل حال، بدأ مسلسل حارة اليهود أحداثه في منتصف 1948، ومضى بأحداثه على مدار 11 حلقة حتى الآن، لنصل إلى بداية الخمسينيات تقريبًا، على اعتبار أن تبادل الأسرى الذي تم بين مصر وإسرائيل وقع في 1949، تلاه رحلة «علي» الذي محي اسمه من السجلات في الأسر، ثم هروبه وتخفيه في فلسطين وعودته إلى مصر، وهي رحلة قد تستغرق شهورا كافية بنقلنا إلى عام 1950، هكذا يقول التاريخ والمنطق، أما مؤلف المسلسل كان له رأي آخر، فهو، وكما قفز على الزمن، وحتى على الجغرافيا، في حلقات سابقة، يركب في الحلقة الحادية عشرة آلة الزمن السحرية، ليعود بنا مرة أخرى إلى عام 1948.

رغم أن أحداث المسلسل، كما سردنا وصلت بنا إلى عام 1950، إلا أن المؤلف يقرر فجأة العودة إلى عام 1948، حيث يتم الإعلان عن حل جماعة الإخوان المسلمين، ثم اغتيال النقراشي باشا، رئيس الوزراء، في ذلك الوقت، برصاص عناصر الجماعة، وبحسب التسلسل المنطقي للأحداث، فإنه أثناء الإعلان عن حل الجماعة وعملية اغتيال النقراشي، كان الضابط «علي» في الأسر الإسرائيلي، ولم يكن يشرب الخمر في أحد البارات مع مارسيل مزراحي.

والحقيقة أن المؤلف خلط الأوراق بين عمليتي اغتيال الإخوان المسلمين للقاضي الخازندار، واغتيالهم للنقراشي باشا، فالحديث عن عبدالرحمن السندي، مسؤول الجهاز الخاص بالجماعة، والذي يتولى تنفيذ العمليات الإرهابية، وإظهار تخوف البنا من أن يقوم بعمل متهور، وهو حديث من مراجع إخوانية بالمناسبة، يرجع لحادثة اغتيال القاضي الخازندار، في 12 مارس 1948، وليس اغتيال النقراشي في 28 ديسمبر 1948.

وبعد العملية المذكورة، حوكم السندي أمام محكمة إخوانية تضم 10 من قيادات الجماعة، ليس بتهمة أنه قتل وإنما لأنه نفذ عملية القتل دون إذن المرشد، ليدافع عن نفسه قائلًا إنه تصور إن القتل سوف يرضي «فضيلة المرشد»، ليبكي «السندي» و«البنا» (الذي يعرف عن السندي الصدق)، وتحكم المحكمة الإخوانية باعتبار القتل «قتل خطأ»، مدعية أنه لا هو «ولا أحد من إخوانه سفك نفس بغير نفس، وإنما قصدوا قتل روح التبلد الوطنى فى بعض أفراد الطبقة المثقفة من شعب من أمثال الخازندار».

أقرت المحكمة بدفع الدية، لكنها عادت وراوغت كعادة الإخوان: «ولما كانت جماعة الإخوان المسلمين جزءاً من الشعب، وكانت الحكومة قد دفعت بالفعل ما يعادل الدية لأسرة الخازندار، حيث دفعت لهم من مال الشعب 10 آلاف جنيه، فإنه من الحق أن نقرر أن الدية قد دفعتها الدولة عن الجماعة، وبقى على الإخوان إنقاذ حياة الضحيتين البريئتين محمود زينهم وحسن عبدالحافظ (قاتلى الخازندار)».

ويشير نص حكم المحكمة الإخوانية، التي رأسها «البنا» نفسه، إلى أنها كانت محكمة صورية، لم تجتمع لإدانة، وإنما اجتمعت للتأكيد على مزيد من العنف بدعوى إنقاذ «ضحيتين بريئتين»، وما يشير أكثر إلى أن ادعاء «البنا» عدم علمه بالواقعة غير حقيقي، إلى جانب الحكم، هو أن أحد من قاموا بعملية الاغتيال هو سكرتيره الشخصي.

خلط المؤلف أيضًا بين حدثين هامين، وكالعادة لم يكن عامل الزمن مهمًا، فيما يبدو، بالنسبة له، فقدم حادث اغتيال الإخوان للنقراشي باشا، الذي وقع في 28 ديسمبر 1948، على اقتحام الشرطة للمركز العام للجماعة، والذي وقع في 8 ديسمبر 1948، بعد الإعلان في الإذاعة عن حل جماعة الإخوان المسلمين، مباشرة.

على كل حال، عندما زار الحاخام منزل هارون لمباركة ابنته ليلى، المريضة بحب الضابط «علي»، طلب من والدتها، التي كانت تقف أمامه، وهي المرأة المتدينة، دون غطاء رأس، أن تبيت «ليلى» ليلة كاملة في المعبد، وكان الحاخام يشير فيما يبدو إلى معبد موسى بن ميمون، الموجود في الحارة، وبُني المعبد بعد وفاة رجل الدين اليهودي الشهير موسى بن ميمون، الذي كان طبيبًا للسلطان صلاح الدين الأيوبي، ويوجد في المعبد سرداب صغير كان يستخدم كحجرة للتأمل، وكان يستخدمها اليهود والمسيحيون والمسلمون لنيل البركات، فكان يقال إن من بات فيه ليلة يشفى من أمراضه، وأشهر من بات في هذه الغرفة كان الملك فؤاد.

ويحسب للمؤلف في هذه الحلقة أنه عاد للتأكيد على أن تعاطف والدة موسى مع اليهود أينما كانوا يرجع لتدينها وليس لإيمانها بالفكرة الصهيونية، فعندما يتحدث موسى عن الهجرة إلى إسرائيل، تقاطعه قائلة: «إسرائيل إيه دي اللي أروحها»، مؤكدة أن بلدها هي مصر، إلا أنه يُحسب عليه، عدم عرض وجهة النظر الأخرى عندما قال على لسان موسى الصهيوني، وهو يخاطب أمه: «انتم جيل مهزوم متعود على الحرق في أفران الغاز»، وعدم عرض وجهة النظر الأخرى، يعني تبني وجهة النظر المقدمة، فما علاقة يهود مصر بالهولوكست في ألمانيا، وهل تعرض اليهود لمذابح في مصر، جعلت من الجيل اليهودي الذي يتحدث عنه موسى جيلًا مهزومًا؟.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية