في مشهدين متداخلين، يظهر على الضابط الأسير وهو «مسطح» على القطار القادم من فلسطين المحتلة (إسرائيل) إلى مصر (وهي معلومة غير حقيقية كما أوضحنا في الحلقة التاسعة)، وبين «ليلى»، التي تجلس في الكوشة إلى جانب «صفوت»، الشاب اليهودي الصهيوني، لتنقذ والدها المهدد بالسجن والإفلاس، إلا أن المؤلف يقرر، كما عودنا، القفز على الزمن وواقع الجغرافيا وحتى المنطق، لنجد في المشهد التالي الضابط يصل من إسرائيل إلى حارة اليهود، ومازالت ليلى في الكوشة ليقف أمامها في مشهد مؤثر.
ومن المعروف أن للعسكرية قواعدها المنضبطة الصارمة وقوانينها الصارمة، فالعسكري (جندي أو ضابط)، الذي يعود من الأسر، على سبيل المثال، أو يهرب منه، يتوجب عليه الذهاب أولًا إلى وحدته لتسليم نفسه، وعليه ثانيًا الخضوع لتحقيق عما حدث طوال فترة الأسر، أما في المسلسل فقد اختار المؤلف أن يتعامل مع واقعة عسكرية بشكل لا علاقة له بقواعد العسكرية وقوانينها، فالضابط الهارب من الأسر، بدلًا من تسليم نفسه لوحدته، ذهب إلى الحارة وبات ليلة واحدة على الأقل في بيته، بين أسرته، وعلى سريره، قبل أن يُسلم نفسه في مرحلة لاحقة.
والغريب أن الضابط، الذي تم أسره وهو يحمل رتبة الملازم أول، عندما ذهب لتسليم نفسه لوحدته العسكرية، كان يحمل على كتفيه رتبة نقيب، فهل يحمل الضباط رتبًا على أكتافهم بقرارات شخصية أم تصدر هذه الترقيات بقرارات رسمية؟ وطالما أنها تصدر بقرارات رسمية، فهل يصدر الجيش قرارًا بترقية ضابط في عداد المفقودين أو الشهداء، وغير موجود فعليًا؟.
تحاول «ليلى» الحديث مع «علي» بأي طريقة لشرح وجهة نظرها فيما حدث، تنتظر ليلًا على سلم المنزل ممسكة بشمعة في يدها، ومع ذلك يتجاهلها، يدخل ذلك في إطار الدراما، أما ما يتنافى مع قراءة الواقع في هذه الحقبة التاريخية، بل قد يتنافى مع الواقع حاليًا إلى حد كبير، فهو أن تنتظر «ليلى» ضابطًا مصريًا أمام بوابة منطقة عسكرية، دون أن يسألها أي من حرس الوحدة العسكرية عن سبب وجودها، إعمالًا بقاعدة «ممنوع الاقتراب أو التصوير» المعمول بها في كافة المناطق العسكرية، خاصة مع فرض الأحكام العرفية في مصر خلال هذه الفترة.
يقفز المؤلف أيضًا في هذا المشهد على التغير، الذي شهدته مصر، ودول عربية أخرى، بعد حرب عام 1948، حقيقي أنه حتى هذه المرحلة لم يكن هناك تمييز رسمي صارخ ضد اليهود المصريين، بدليل أنه حتى عندما قامت ثورة يوليو في عام 1952، قام اللواء محمد نجيب بزيارة للمعبد اليهودي لتهنئة اليهود المصريين بعيد الغفران، إلا أننا لا نستطيع أن ننكر أن قيام إسرائيل، وتعمد بعض التيارات الخلط بين الصهاينة واليهود قد تسبب في بعض التغيير في المعاملة من جانب البعض، الذي اختلط عليه الأمر، وهو ما لا يتسق مع وقوف «ليلى» أمام بوابة منطقة عسكرية مصرية، بهذا الشكل.
ورغم أن المؤلف «ناصري»، كما ذكر بنفسه في مواقف عدة، إلا أن الحلقة العاشرة من المسلسل تضمنت مغالطة تاريخية بخصوص تأسيس تنظيم الضباط الأحرار، فيظهر من الحلقة أن التنظيم بدأ في التشكل في نهاية 1949 أو بداية 1950، رغم أن تأسيس التنظيم يرجع إلى ما قبل ذلك، ففي حوار مع ديفيد مورجان، مندوب صحيفة «صنداي تايمز»، البريطانية، يقول جمال عبدالناصر نفسه: «بالنسبة لي كان عام ١٩٤٥ أكثر من مجرد عام انتهاء الحرب العالمية، فقد شهد العام بداية حركة الضباط الأحرار، تلك الحركة التي أشعلت فيما بعد شعلة الحرية في مصر، ومع ذلك فقد كان ينتظرنا حادث آخر، ليتحول استياؤنا وسخطنا المتزايد إلى خطة ملموسة للثورة»، في إشارة إلى حرب فلسطين.
ويضيف الرئيس عبدالناصر: «وقد ركزت حتى سنة ١٩٤٨ على تأليف نواة من الناس الذين بلغ استياؤهم من مجرى الأمور في مصر مبلغ استيائي، والذين توفرت لديهم الشجاعة الكافية والتصميم الكافي للإقدام على التغيير اللازم. وكنا يومئذ جماعة صغيرة من الأصدقاء المخلصين؛ نحاول أن نخرج مثلنا العليا العامة في هدف مشترك وفى خطة مشتركة».
والحقيقة أن تناول الفكرتين الصهيونية و«الإخوانية» في عمل واحد، سمح للمؤلف بإظهار ما بينهما من أمور متشابهات، فالمسلم الإخواني (حسن البنا) يرى أن الحرب على جماعة الإخوان هي «حرب على الإسلام ذاته»، واليهودي االصهيوني (موسى هارون) يرى أن الحرب ضد إسرائيل هي حرب على إرادة الرب «الذي وعد اليهود بأرض الميعاد» على حد قوله.