أكد الكاتب مدحت العدل أن حالة الجدل التى يثيرها مسلسل «حارة اليهود» منذ عرض أولى حلقاته دليل على أن رسالة العمل قد وصلت، وأنه حقق نجاحا ومشاهدة عالية، وأوضح «العدل» أنه التزم بالثوابت التاريخية التى استعان بها فى تقديمه للعمل، ولكن كانت هناك مساحات لإبداعه الشخصى ككاتب، وهى مسألة مشروعة دراميا، وقال فى ندوة «المصرى اليوم» إن عددا من الكتاب والمؤرخين أثنوا على العمل ووصفوه بأنه الأهم فى السنوات الـ15 الأخيرة، وإنه يهدف من هذا العمل لتقديم القاهرة الكوزموبولوتانية التى تجمع مختلف الطوائف تحت سقفها.
■ كيف ترى ردود الفعل على مسلسل «حارة اليهود»؟
- ردود الأفعال سواء كانت إيجابية أو غير إيجابية هى الأهم، فلو مر عمل دون أن يؤثر فى الناس أعتقد أنه فشل، لذلك حالة الجدل حول «حارة اليهود» ونسب مشاهدته تعد نجاحا، وفكرة المسلسل موجودة منذ 5 أو 6 سنوات، لكن فى الحقيقة أنا أعمل بحماسى للموضوع، فمثلًا كنت ذاهبا إلى جنوب أفريقيا لعمل فيلم «أفريكانو»، وأثناء معاينتنا لأماكن التصوير سمعت خبر استشهاد محمد الدرة، فقررت كتابة فيلم «أصحاب ولا بيزنس»، وبسببه تغيرت خطة إنتاج الشركة، وقدمت بعده «القدس هترجع لنا»، وبعد ذلك حدثت الثورة وثار جدل كبير بين أجيال الشباب، وأنهم هم الذى كافحوا وناضلوا، فقررت كتابة مسلسل «الشوارع الخلفية» لأقول للناس إن مصر عملت مليونية فى ميدان الإسماعيلية، الاسم السابق لميدان التحرير فى الثلاثينيات، وكان عدد مصر حينها لا يتجاوز 12 مليون نسمة، للمطالبة بالدستور، وقتل خلالها عبدالحكم الجراحى، الشاب المصرى، وقدمت ذلك العمل لأقول للشباب المصرى إنك حبة فى سبحة النضال المصرى الطويل، ثم جاء حكم الإخوان فقدمت «الداعية» لأننى أحسست بأن ذلك التوقيت هو المناسب لكى نتكلم عن النصب باسم الدين واستخدامة كأداة سياسية، وجاء هذا العام وبتشجيع من المخرج محمد جمال العدل لأعيد فكرة مسلسل «حارة اليهود»، فكان سبب حماسى أيضًا هو أننى رايت أن داخل الأسرة الواحدة عدم الاتفاق على رأى واحد بل عدم تقبل الآراء المختلفة حتى الأب والابن لا يتقبلان آراء بعضهما، فالاختلاف شىء صحى لكن الأفضل هو أن نتقبل رأى الآخر، لذلك قررت أن أحيل الناس إلى القاهرة «الكوزموبولوتانية»، التى كانت تتقبل الآخر أيًا كان لونه ودينه وجنسيته، عندما كانت جميلة، فالمسلسل يتحدث عن الفترة الزمنية من عام 1948 إلى عام 1954، وبدأت أعمل على «حارة اليهود».
■ من الانتقادات التاريخية الموجهة للعمل عدم تعرض القاهرة سنة 1948 لغارة. ما تعليقك؟
- لا.. كانت هناك غارة عام 1948 وهى غارة وحيدة حدثت، ومن الممكن أن تعود لكتاب محمد حسنين هيكل «العروش والجيوش» والذى يقول فيه إنه شنت غارة على القاهرة فى ذلك التوقيت وعلى قصر عابدين وهى غارة وحيدة، فالذى حدث هو أننى استعنت بهذه الغارة الوحيدة وهو حقى الدرامى، فعندما أقدم عملا أمتلك مقاصد درامية من العمل، فأنا لم أقدم الغارة فرحًا بها، وأيضًا قيل بأن اثناء اندلاع الغارات لم يلجأ أهل الحارة ا للمعبد، كل ذلك مقصد درامى الهدف منه هو أن هذا المعبد الذى هو بيت الله فى لحظة ما جمع بين المسلم والمسيحى واليهودى فى كل لحظات الخطر، ففى المشهد الذى أشادت به الرقابة إشادة غير عادية أن المسلمة تقرأ القرآن والمسيحية تصلى واليهودية أيضًا، فالمعنى هنا أكبر من أن الناس تلجأ لحفرة أو خندق.
■ هل سبقت الغارة إعلان مصر دخولها حرب فلسطين؟
- حدث ذلك خلال الحرب ولم يسبقها، فالحدث بدأ ونحن فى الحرب، فشخصية «على» كانت فى فلسطين، فلم تكن الهدنة الأولى قد بدأت، وعندما حدثت الهدنة التى قلبت موازين القوى، لأن العرب انتصروا فى بداية الحرب ووصلوا القدس، ثم جاءت الهدنة التى كان من المفترض أن نرفضها لكن ضغط علينا لقبولها، وعاد على من الإجازة فبدأنا المسلسل من لحظات دخولنا حرب 1948.
■ قدمت فى المسلسل القاهرة «الكوزموبولتانية» فهل هذه الحارة تعبر عن القاهرة كلها؟
- هناك اختلاط عند بعض الناس فحارة اليهود عبارة عن 70 حارة مجمعة، وليست حارة وحيدة، عاش فيها الفقراء والتجار والطبقات المتوسطة وتجار «المانيفاتورة»، فعندما قمت بانتقاء أحدهم اخترت التى يتواجد فيها معبد «موسى بن ميمون» قاصدًا ذلك، وعبرت فى المسلسل عن الطبقة المتوسطة، والتى تم تدميرها فيما بعد، وأحيلك إلى مقال كتبه الناقد طارق الشناوى عندما قال «حارة المصريين» وليست «حارة اليهود» فأنا أعنى الحارة المصرية التى جمعت كل أطياف الناس بمختلف دياناتهم «مسلمين ومسيحيين ويهود وجنيات من طليان وأرمن وغيرهم» وليس اليهود فقط.
■ «ألبير أرييه» أحد اليهود، قال إنه دخل حارة اليهود بيتا بيتا فى اللجنة الخاصة بمكافحة الكوليرا فى الأربعينيات وأكد أن الحارة كل سكانها كانوا من اليهود والفقراء؟
- ولكن أرد عليك بما قاله جو ألبنين، وهو أستاذ يهودى فى جامعه ستانفورد، وكتب مقالا فى النيويورك تايمز عن المسلسل منذ أسبوع تقريبا، وقال فيه إن المسلسل أصدق تعبير عن حالة الحارة التى سكنها اليهود والمسلمون والمسيحيون، ولكن عندما نقول إن 70 حارة فى حى الجمالية لا يسكنها غير يهود فهذا رجل يقول كلاما غير واقعى، واستعنت أيضًا بكتابه «شتات اليهود المصريين»، فالمسلسل قدم شكلا غير تقليدى عن اليهود، وأيضًا المقصود فى المسلسل ليس حارة واحدة، بل منطقة كاملة عاش فيها الكثير من المصريين وكان فيها مجمع تجارى وتجار مانيفاتورة، وأنا قدمت المسلسل بعد دراسة متأنية وأؤكد أنه عاش فى حوارى اليهود مسلمون ومسيحيون وفقراء وطبقة متوسطة، ومن ضمن المراجع التى اعتمدت عليها فى العمل كتاب جاك حسون «تاريخ يهود النيل»، ولكن لإنهاء حالة الجدل حول هذه النقطة أنا لم أقدم عملا تسجيليا عن حارة اليهود لكن أقدم مسلسلا دراميا من تأليفى أريد أن أقدم فيه رسائل وأشياء خاصة. فالعمل فى الأول والآخر من تأليفى وليس توثيقيا، لكن هناك أشياء من المستحيل لا أركز فيها مثل وجود الغارة من عدمها، مثل وجود بيوت الدعارة من عدمه، فعملت أبحاثا تاريخية على المسلسل ومعى باحثة تحمل درجة الماجستير من الجامعة الأمريكية تراجع ورائى كل الأحداث التاريخية، وتواريخ الهدنة والغارات، فكل شىء كان محل مراجعه وتوثيق، أما الأغانى فكتبت فى المسلسل أغنية من أغانى هذا الزمن ولم أكتب أو أختَر اسم أغنية معينة.
■ هل الدراما تسمح بتقديم وتأخير الأحداث التاريخية؟
- لا تسمح الدراما بذلك، لأنها ثوابت لا يجوز المساس بها.
■ حدث خطأ تاريخى فى الحلقة الحادية عشرة حيث من المفترض أننا بدأنا فى سنة 1950 عندما يعود الأسرى فى عام 1949، ثم وجدنا «على» يهرب من الأسر وفوجئنا بعدها فى الأحداث بواقعة اغتيال النقراشى رغم أنها حدثت تاريخيا فى ديسمبر عام 1948؟
- لا أتذكر ذلك، فمن الممكن أن يكون ذلك خطأ فى المسلسل، فأنا قدمت تسلسلا فى الرجوع والدخول من الممكن أن يكون حدث خطأ فى ذلك.
■ البعض يرى شخصية البلطجى التى أداها سيد رجب كانت تحتاج لممثل «مفتول العضلات».
- الفكرة أن البلطجى شخص يستعين بفتوات، فأنا أحضرته فى النهاية لأن النطاط سيأتى، ويصبح هو الفتوة، فأنا أقدم فى المسلسل نهاية وبداية، ولكن فى مثل هذه الأدوار الشخصية أهم من التكوين الجسدى للممثل.
■ وهل من المنطقى أن حارة اليهود بها تجارة كبيرة للذهب والقماش تحكم بالفتوات وليس بأقسام الشرطة بل وجدناهم فى العمل يتعاملون مع الشرطة الإنجليزية؟
- الفتونة كانت موجودة ولكن ليس بشكل فتوات نجيب محفوظ فى الحرافيش، وبالفعل كانت موجودة والفتوات كانوا يعملون مع الشرطة، وكانت الإتاوات متواجده منذ قديم الأزل وحتى الآن، ولابد أن نفرق بين العمل الدرامى والعمل التوثيقى، فعندما أحلت الموضوع للدرما لم أوثقها ولكنى أدخلتها فى الدراما وأظهرت شخصيات كانت موجودة بالفعل، حتى فى حماية البوليس، فأنا لم أقدم كل أشكال الدراما الحياتية ولكنى قدمت خطوطا ونقاطا حقيقية منها فى عمل درامى، فأنا قدمت البلطجى وفقا لتأليفى ووجهة نظرى، فأنا أقدم تعاملهم مع الشرطة المصرية أو لا أقدمهم كل ذلك وفق رؤيتى كمؤلف.
هناك ثوابت تاريخية لا يجب المساس بها لكن من حق كاتب الدراما أن يترك مساحة لإبداعه فمن الممكن ألا تذكر الحادثة بحذافيرها ولكنك تستعين بشخصيات وأحداث حقيقية بالإضافة إلى إيجاد مساحة لإبداع المؤلف وتوصيل الفكرة والرسائل، وخيوط أساسية، حتى عندما قدمت حارة اليهود، قلت إنه حتى فى ليالى الحلمية، التى قدمها أسامة أنور عكاشة لم يعرض الحلمية كلها ولكنه استحضر جزءا منها ولكنه قدم أشكالا وشخصيات وفكرا فى توقيت معين، وبنفس الفكر أردت تقديم حارة اليهود فى وقت معين، ولم أجزم أن وقت الغارة كل الناس ذهبوا للمعبد لكن كان لى هدف أو رسالة من ذلك وهو سماحة الدين وفى وقت الخطر كلنا نتجمع تحت راية واحدة، فهو عمل ليس توثيقيا بل درامى.
■ فى مسألة الأحداث التاريخية واقتحام مقر الإخوان.. هل حدث ذلك ردًا على اغتيال النقراشى أم ردًا على قرار حل الجماعة؟
- هذا الأمر موثق أن اقتحام مقار الإخوان كان ردًا على اغتيال النقراشى، وقبضوا على كل أعضاء الجماعة باستثناء حسن البنا، لأنه بعد حل الجماعة تم اغتيال النقراشى، ولكننا أيضا تأكدنا أن كل التنظيمات الإرهابية خرجت من عباءة الإخوان المسلمين، وأنهم حاولوا ركوب الثورة قديما، وخرجت تصريحات على لسان الهضيبى عندما توجه للغرب وقال لهم إنه من الممكن أن يخدمهم ويخدم مصالحم فى مصر، وهذا ما قاله المرشد الحالى، فأحلت ذلك للماضى لأثبت للناس أن التاريخ يعيد إنتاج نفسه.
■ وماذا عن مشهد هروب ضابط مصرى من إسرائيل 1948 بقطار رغم أنه لم يكن هناك خط مباشر بين القاهرة وفلسطين؟
- كمؤلف أردت هروبه بقطار فهذا منطق درامى يحق لى استخدامه كوسيلة لهروبه، وكان هناك قطار فى ذلك الوقت يربط بين فلسطين ومصر، لكن كان ممنوعا من الذهاب إلى إسرائيل، فالدراما تسمح بذلك وبأى وسيلة إذا كانت تخدم السياق الدرامى ولا تخل به، بهروبه بمركب أو قطار أو جمل والمعنى المراد هنا هو الهروب وهذا ما أعنيه.
■ المسلسل أعاد تقديم فنانين بشكل جديد ومختلف منهم الفنانة هالة صدقى، فمن صاحب ترشيحها لدور زينات؟
- هالة صدقى كانت ضيفتى فى إحدى حلقات برنامج «إنت حر» وقالت إنها تريد تقديم فيلم شعبى فسرحت ورجعت كلمت ماندو العدل ورشحتها لدور زينات، والحقيقة هى فنانة رائعة فى كل شىء من الالتزام والتمثيل ومعلمة تمثيل واختيارها كان ذكيا ونجحت نجاحا غير عادى.
■ فكرة تركيزك على إعادة قبول اليهود فى مصر؟
- إسرائيل تحاول اللعب وتحويل الصراع إلى دينى، وأنا أقول إن الصراع بيننا سياسى وليس دينيا، فليس بيننا وبين اليهود أى شىء، فهذا ما نحاول تقديمه للناس، ووضحت الفرق بين الصهيونية واليهودية، وإسرائيل تساعد على نشر فكرة أنه لايوجد فرق بين الصهيونية واليهودية، كمذهب سياسى ودينى، لكنى وضحت فى العمل أن هناك فروقا كثيرة بينهما، فهناك كثيرون من اليهود أسسوا الاقتصاد المصرى.
■ هناك ردود أفعال صدرت من الطائفة اليهودية ومن حسابات غير رسمية تابعة للسفارة الإسرائيلية كيف تلقيت هذه الأفعال؟
- فى البداية تم الترحيب بالمسلسل وبعد ذلك بدأوا فى الهجوم عليه، وأن المسلسل ضد إسرائيل، والشيوعون غاضبون، لكن الناس ليس لديهم صبر لكى يروا الرؤية كاملة دراميا.
■ ما الذى تمثلة حالة الجدل لمدحت العدل؟
- حالة الجدل تمثل لى النجاح، «فأنا لم أقدم عمل وخلاص» لأن هناك أشياء تقدم طوال الوقت ونحن نصدقها مثل أن اليهودى شخص أخنف، وخاين وجاسوس، لذلك أردت أن أفرق وأؤكد أن الصورة المطروحة التقليدية غير صحيحة، لأننا يجب أن نعيد التفكير فى مثل هذه الثوابت، فالناس العادية أكثر ناس مستمتعة بالمسلسل لأنه لا يوجد فى أذهانهم هذه الحسابات الأيديولوجية مثل الشيوعيين والإسرائيليين.