من الخطأ الكبير الحكم على التطورات الحادثة فى مشروع العاصمة الجديدة مما تردد من شائعات أو أخبار أو مقدمات أخبار، لا يهم، عن إلغاء التعاقد مع شركة كابيتال الإماراتية التى يرأسها رجل الأعمال الإماراتى المعروف محمد العبار لتنفيذ المشروع، باعتبارها دليلاً على توتر العلاقات المصرية- الإماراتية، خاصة أننا نعلم جميعاً أن هناك جماعات وقوى سوداء النفوس، بالإرهاب أو الطموح فى البحث عن أدوار أكبر من حجمها، يسوءها العلاقات الجيدة والمتميزة ما بين الدولتين عقب ثورة 30 يونيو، وتسعى لإشعال الفتنة والنفخ فى النار، وتتصيد أقل الهفوات ومستصغر الشرر لتنفخ فيه لتجعله حريقا، وتقدمه باعتباره أزمة كبيرة.
ولا يمكن الخروج من هذا الفخ إلا بالنظر إلى القضية فى حدودها الحقيقية، فنحن أمام قضية اقتصادية، ومشروع اقتصادى، وليس مشروعاً سياسياً، لذا سيكون من الخطأ أن يتم الزج بأسماء القيادة السياسية فى البلدين وكأنهم أطراف فى هذه المشكلة الاقتصادية. إقحام أسماء الرئيس عبدالفتاح السيسى أو الشيخ محمد بن زايد أو الشيخ محمد بن راشد فى هذا الأمر هو خطأ لا أظنه حسن النية لدى بعض ممن يستخدمونه. حضور هذه الأسماء فى مراحل مختلفة من المشروع هو لإعطائه دفعة معنوية، قبل إطلاقه كمشروع اقتصادى، ولإعطائه القيمة والدلالة على أنه مشروع اقتصادى رعايته تأكيد لطبيعة العلاقة، لكنه بالتأكيد ليس عنوان العلاقة، وبالتالى يجب ألا يتم التعامل مع هذا الأمر إلا باعتباره مشروعاً اقتصادياً بين بائع ومشتر، وليس بين دولتين، وأن يتم التعامل معه- مادام اقتصاديا- كما يقول المثل المصرى «بين البايع والشارى يفتح الله»، أى أنه إذا لم يتم الاتفاق على المشروع الاقتصادى فهذا لا يعنى أن هناك أزمة بين بلدين، بل يعنى أن هناك مشكلة فى العقود، والاتفاق الاقتصادى فى هذا المشروع فقط، وليس فى كل ما يربط البلدين.
محمد العبار عندما أتى لم يكن يمثل دولة الإمارات، بل كان يمثل شركته التى يرى بعض المسؤولين المصريين أنها لم تفِ بما تم الاتفاق عليه لإنشاء العاصمة الجديدة، كما تم التصريح، أو كما قالت مصادر أخرى فإن الحكومة ألغت مذكرة التفاهم المبرمة مع شركة «كابيتال سيتى بارتنرز» التى يديرها العبار، بشأن تنفيذ مشروع العاصمة الإدارية الجديدة، الذى تتكلف مرحلته الأولى 45 مليار جنيه، لأن الشركة عجزت عن توفير مصادر لتمويل المشروع. فى المقابل فإن مصادر مصرية أخرى أكدت أن ما يثار فى وسائل الإعلام حول تعثر المفاوضات أو إلغاء مذكرة التفاهم مع العبار ليس له أساس من الصحة، وأن المفاوضات مستمرة حتى الآن، وأن ضخامة المشروع وراء التأخير فى إعلان تفاصيل جديدة منذ توقيع مذكرة التفاهم، وأنه من الطبيعى أن تكون هناك خلافات فى وجهات النظر فى بعض المحاور، وكان أول الخلافات بين الحكومة والشركة المنفذة للمشروع حول النسب المستحقة لكلا الطرفين، فبينما كانت الحكومة تطمع فى الحصول على 24% من إجمالى المشروع، مقابل تخصيص 17 ألف فدان لإقامة المشروع، لكن الشركة عرضت 20% من الأرباح فقط دون أى تملك لنسب فى المشروع.
وبقراءة هذه التفاصيل، وبقراءة حتى شكوى العبار من تعقيد الإجراءات الإدارية، فإننا نجد أنفسنا أمام مشكلة اقتصادية بين طرفى التعاقد، وليس بين دولتين، لذا فلا محل للكلام الذى يتردد عن انتهاء شهر العسل بين مصر والإمارات، ولا معنى لترديده وتناقله، ومن الخطأ كل الخطأ على الإعلاميين فى البلدين التعامل مع مثل هذه الأمور بالنفخ فيها وإعطائها أبعاداً أكبر مما تحتمل، بل يجب وضع الأمور فى نصابها الصحيح.
ليس معنى هذا تقليلًا من قيمة المشروع، فالعاصمة الجديدة هى أحد محاور رؤية الرئيس لمستقبل مصر، وعندما تم الاتفاق على أن تتولاه شركة إماراتية بتشجيع من قيادتها السياسية فإن هذا كان تعبيرا عن طبيعة العلاقة المتميزة بين البلدين، ولكن يبقى المشروع فى النهاية مشروعا اقتصاديا تسرى عليه طبيعة القواعد الاقتصادية الحاكمة لمثل هذه المشروعات مهما كبرت. لذلك نقرأ أن مجلس الوزراء يتابع المفاوضات التى أسندها إلى لجنة لمتابعة المشروع بوزارة الإسكان والمرافق المصرية، وهناك سيناريوهات بديلة فى حال توقف المفاوضات بشكل نهائى مع الشركة الحالية، ولكن حتى الآن لا يوجد ما يشير إلى تعثر نهائى فى المفاوضات، وكل ما يحدث هو خلاف فى وجهات النظر.
ما نحتاجه فى إدارة العلاقات بين البلدين هو أن نُعمل العقل قبل أن نحكم على ما حدث، وألا نسيّس الأمر، وأن ندرك أن العلاقات التاريخية بين البلدين ازدهرت بعد 30 يونيو، وأن العلاقات بين الشعوب لا يمكن الحكم عليها بمشكلة اقتصادية بين شركة وإدارة مشروع ستزول مع الوقت.