x

ناجح إبراهيم العقل يقول للرب: أنا عبدك ناجح إبراهيم الخميس 04-06-2015 21:58


وقف عمر بن الخطاب أمام الحجر الأسود بعد أن قبله.. ثم هتف بلسان عقله وقلبه وذكائه وتسليمه قائلاً: أعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر، ولولا أنى رأيت رسول الله (ص) يقبلك ما قبلتك.

وحينما قال المشركون لأبى بكر: هل علمت ما قاله صاحبك من أنه أُسرى به إلى بيت المقدس؟ فقال بلغة المؤمن «إن كان قد قال فقد صدق.. إنى أصدقه فى خبر السماء».

وفى أوائل الخمسينيات ذهب وفد رسمى مصرى رفيع لأداء العمرة.. وفى أثناء العمرة توقف صحفى مرافق لهم عن أداء المناسك، فلما تعجبوا لذلك قال: عقلى لا يقتنع بتقبيل أو السلام على حجر تارة وقذف حجر بحجارة تارة أخرى.. والسعى بين الصفا والمروة وهى حجارة ثالثة.. فتركوه دون أن يقولوا له: هذا موطن التسليم واليقين.. فالإيمان والتسليم بالجنة والنار والملائكة والأنبياء وخلق آدم دون والدين وخلق عيسى من دون أب وحواء من آدم يحتاج إلى قلب ويقين.

إن الأزمة بين النص والعقل مفتعلة.. فالذى خلق العقل هو الذى أنزل النص وهو الله سبحانه.. ولا يمكن أن يكون هناك تعارض حقيقى بين النص الصحيح والعقل السليم.

العقل والنقل أو النص مصدرهما واحد وهو الله سبحانه.. وكلاهما منة من الله على خلقه وسبيلان لهداية الخلق إلى الحق.. فالعقل نعمة على الخلق.. والنقل أو النص رعاية وهداية للخلق.. ولن تتم الهداية بحق إلا بهما.

ولكن أمتنا دوما حائرة بين بعض العلمانيين الذين يقدسون العقل ويقدمونه على النقل الصحيح إن ظهر ثمة تعارض شكلى بينهما.. فهم يجعلون العقل حكما على النص، وبين بعض الإسلاميين الذين لا يرون للعقل دورا على الإطلاق حتى لو كان فى فهم النص وشرحه وبيان أسراره ومقاصده العليا.

فالإسلام لم يأت بتقديس العقول من دون الله ولم يأت أيضا بإلغائها ليعيش الناس فى الجهالة والعمى.

فالعقل البشرى مهما كانت قدراته هو قاصر بنفسه ويحتاج دوما إلى نور الوحى وهدايته.

والعقل البشرى مهما علا لا يستقل بالتشريع ابتداء.. ولا يعلو على وحى السماء.. وإلا ضل وأضل.. والعقل البشرى يعمل فى كل ساحات تعمير الكون الواسعة الرحبة التى لا يحدها نص محدد أو التى لا نص فيها.. وهى أوسع وأشمل من كل المساحات الأخرى.

فآيات الأحكام كلها فى القرآن لا تجاوز ثمانين آية.. والأصل فى أمور الحياة هو الإباحة وليس الحظر.. والمباح هو أوسع شىء فى الحياة.. وللعقل أن يسبح فيها منشئاً ومتفكرا ومبدعا ومجددا كيف يشاء.. وهذه المساحة تسمى «مساحة العفو التشريعى أو ما لا نص فيه».

وهى ما سكت الشرع الشريف عنه.. وهى أكبر المساحات وهى متروكة برمتها للعقل الصحيح.

وللعقل أيضا أن يعمل فى النصوص ظنية الدلالة وهى النصوص حمالة الأوجه.. وهى أغلب آيات القرآن وأحاديث السنة وهى مساحة واسعة للاجتهادات المتعددة لأولى العلم الشرعى.

فمن رحمة الله أن جعل معظم النصوص الشرعية ظنية الدلالة ليجتهد فيها العلماء.. وتتغير فيها الأحكام والفتاوى الفقهية والفرعية المبنية على المصلحة أو العرف من فقيه لآخر ومن زمن لآخر ومن بلد لآخر.. إثراء للفقه الإسلامى.. وتوسعه على الناس وتيسيرا عليهم.. ولتحقيق مرونة هذه الشريعة الغراء لتواكب كل العصور والأمم والعادات.

وكل آيات القرآن تخاطب العقل السليم «أَفَلَا يَتَفَكَّرُونَ» « أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ» «أَفَلَا يَعْقِلُونَ».

فعبادة العقل أن يجول فى ساحات عمله الواسعة.. أما إذا جاء النص القطعى الدلالة والثبوت فإنه يقف له قائلا: تعظيم سلام خضوعا للشرع وانقيادا له ومحبة له وعرفانا بفضل هدايته.

وكأنه يقول: ها هنا أنا عبد.. وأنت رب.. ها هنا أقف عاجزاً.. ها هنا ينتهى دورى. فما أشرف هذا التسليم والعجز أمام الله ووحيه وأمره.

لقد آن للعقل أن يستيقظ ويصحو.. ولكن فى ظل النص وتحت رعايته.. ويأخذ مكانه المرموق تحت ظلال الشرع الوارفة.. لتتم الهداية بهما جميعا.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية