x

عبد الناصر سلامة دراما الترامادول عبد الناصر سلامة الجمعة 26-06-2015 21:09


كاتب الدراما المخضرم محفوظ عبدالرحمن حذّر فى حديث لبرنامج «العاشرة مساء» من دراما هذه الأيام، قال إنها تهدف إلى تدمير العقول، مستنكرا نوعية المؤلفين فى هذه المرحلة، ومنوها بالإنتاج التركى الذى يهدف بالدرجة الأولى إلى تنشيط السياحة هناك، والسينما الأمريكية التى تسعى طوال الوقت إلى إبراز مواطن القوة فى بلادها.

محفوظ عبدالرحمن لم يشأ بالتأكيد أن يتحدث بصراحة أكثر من ذلك، كالتى أشار إليها مؤخرا الفنان محمد صبحى، حين سلط الضوء على دراما شهر رمضان، باعتبارها فى ٩٠٪ منها ترى المرأة المصرية مجرد عاهرة، أو لعوب، وبذلك لم يعد الأمر يتعلق بمنتجين، من نوعية الجزارين أو اللحمجية، أو بمخرجين هابطين، من نوعية مقاولى الباطن، وإنما تعداه إلى المؤلفين الذين شاءت أقدارهم أن يتزامن إنتاجهم مع عصر الترامادول والبانجو، وبالتالى كان ذلك الإنتاج، فى جزء كبير منه، أشبه بتلك المدمرات، ليشكلا معا، دمارا كاملا للعقل المصرى من كل الوجوه.

هذه هى الحقيقة، التى يجب أن ندركها جميعا، وهى أن العقل البكر لدينا إذا استطاع النجاة من دمار المخدرات فقد يسقط صريعاً لدمار الإنتاج التليفزيونى الهابط، الذى كان ربما هو الآخر من إنتاج تلك المخدرات بطريق غير مباشر، أو ربما مباشر جداً. وبالتالى قد يأتى اليوم الذى نطالب فيه بتفعيل دور شرطة المصنفات أكثر من ذلك، أسوة بشرطة المخدرات ما دامت النتيجة واحدة.

ما يجرى عرضه الآن من دراما تليفزيونية هابطة، ومزيفة فى الوقت نفسه، يجعل من المهم جداً الإجابة عن عدة أسئلة حال تقديم سيناريو معين لإنتاجه، أو فيلم محدد، أو مسلسل لعرضه، وأهم هذه الأسئلة: ماذا يقدم هذا السيناريو، أو ذلك الفيلم، أو المسلسل للأمة ككل؟ بماذا سيفيد الدولة المصرية؟ بماذا سيفيد الفرد والمجتمع؟ ما الذى يقدمه لهذا الجيل وللأجيال المقبلة؟ إلى أى مدى يمكن أن ينهض من جديد بالذوق المصرى، بالوطنية، بالقومية، بالقيم، بالأخلاق، بالعفة، بالسلوك العام؟ يجب إذن أن يتخطى أمر الرقابة، ذلك المشهد الفاضح، أو تلك الجملة غير اللائقة، الأمر أصبح أكبر من ذلك بكثير.

قد نجد فى مجمل ذلك الإنتاج التليفزيونى، أو السينمائى، ما هو عكس ذلك تماما، لصالح من إذن يتم الإنتاج؟ ولماذا ترعاه الدولة؟ هذا هو السؤال. حسب الأرقام المتداولة، فإن تكاليف دراما شهر رمضان فقط تزيد على مليار جنيه، فى بلد يعيش نحو ٤٠٪ من مواطنيه تحت خط الفقر، ويعانى ٦٠٪ من سكانه من الأمية، ثم ننتج لهم سموما تليفزيونية ملونة، تضاف إلى السموم البيضاء، إما أنه بلد مغيب، وهى كارثة، وإما أنها أوضاع مقصودة، وهى أم الكوارث، وربما كان الأمران معا.

قد يصطدم الأمر بما تصدعنا به عبر عقود طويلة، من حرية الرأى، وحرية الفكر، وحرية الإبداع، وما شابه ذلك من ادعاءات، كانت طوال الوقت، حقا يراد به باطل، إلى أن انزلق الذوق العام إلى ذلك المستوى المتدنى، الذى أصبح من الصعب تداركه، إلا أن كل ذلك لا يجب أبدا أن يفرض نفسه على الإنتاج التليفزيونى، الذى يتم بثه للأسرة المصرية رغما عنها، وبأموال دافع الضرائب، وبمباركة رسمية، ناهيك عن استهداف شهر الصيام تحديدا لتحقيق الهدف، وذلك بخلاف الزيف العام فى سرد التاريخ، حتى القريب جداً، الذى عايشه الجميع، بل كانوا جزءا رئيسيا فيه.

أخشى ما أخشاه أن يكون شهر رمضان بمثابة مناسبة طارئة لفتح وطرح هذه القضية كل عام، دون اتخاذ إجراءات فعلية على أرض الواقع تضمن اتخاذ ما يلزم نحو عدم تكرار ذلك هذا الوضع المخزى والمحزن فى الوقت نفسه، ما دام هناك مستفيدون من استمراره، وأى استفادة، وليذهب البسطاء إلى الجحيم.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية