x

عمار علي حسن السلفيون و«الإصلاح الدينى» عمار علي حسن الخميس 25-06-2015 21:56


لن يستجيب التيار السلفى فى العالم الإسلامى لـ «الإصلاح الدينى» ويطور أفكاره وتصوراته إلا إذا نظر بجدية وتجرد وعلمية فى أمور أربعة هى:

1. وضع حد فاصل بين الوحى والتاريخ؛ فالأول أصل يُبنى عليه، والثانى تجربة يمكن الاعتبار بها، دون أن تكون قاعدة للقياس أو معياراً للحكم على الأفعال والتصـرفات والآراء اللاحقة، ودون أن تمنح أى قدر من القداسة لأى سبب أو ذريعة.

2. وضع حد فاصل بين النص والخطاب، أى بين القرآن كنص محكم نهائى واحد، وبين أى من الروايات المتعددة القابلة للمراجعة والغربلة أو الآراء الفقهية التى هى إنتاج بشـرى تجب مراجعته ونقده باستمرار.

3. وضع حد فاصل بين المبادئ أو القيم العامة والأساسية التى حددها الإسلام ووسائل التجسيد الاجتماعى والتاريخى لها، بحيث يصبح الباب مفتوحاً على مصـراعيه أمام تجديد الوسائل من دون جور على المبادئ أو تحريف لها، ولا يتم الاقتصار على وسائل ثابتة والتجمد عندها، فبعضها إن كان قد ثبت جدواه فى الماضـى، وأفلح فى الوصول إلى الأهداف والغايات المرجوة، فقد لا يكون صالحاً لزماننا هذا.

4. وضع حد فاصل بين مكانة الرموز الدينية التاريخية، حتى لو كانوا من الصحابة، وقدسية المبادئ التى أقرها الإسلام. فالشخص يستمد مكانته من الالتزام بالمبدأ والعمل على خدمته، فإن انحرف عن هذا فقدَ مكانته. والإسلام لا يجعل لشخص حجة عليه، إنما هو حجة على الجميع. والرجال يُعرفون بالحق، ولا يُعرف الحق بالرجال.

ومن حيث المبدأ يتحدث السلفيون بطريقة تبين أنهم لا يخاصمون هذه الحدود الأربعة تماماً، وأنهم حريصون على البحث عن «النابع» أو الأصل وليس «الوافد» أو الدخيل، لكنهم حين يشـرعون فى ترجمة هذا التصور فى خطاب، أو محاولة تطبيقه فى الواقع المعيش، يقعون فى أخطاء فادحة، سواء من حيث خلط «الإلهى» بـ «البشـرى» وتماهى «النص» مع «الخطاب»، وإنكار اختلاف السياق الاجتماعى بما فيه من مشكلات وتحديات عن تلك التى واجهها الأقدمون.

وهناك تجمعات سلفية بدأت تطرح تساؤلات حول بعض هذه الإشكالات، لاسيما فى ظل حالة الانكشاف الفاضح لها فى البلدان العربية التى تقدم فيها السلفيون خطوات واسعة نحو السلطة السياسية. فهؤلاء حين عرضوا التصورات الراكدة فى أذهانهم على الواقع المعقد، متوهمين أن بوسعها أن تذلّل الصعب وتيسّـر العسير وتقدم إجابات شافية وكافية على الأسئلة المتجددة، فشلوا بشكل واضح وفاضح، وبدأ بعضهم يعطى «مصالح» الناس وزنها الذى تستحقه، ويوسع باب الاجتهاد حتى يلحق بها.

وقد ظهر هذا الأمر جليا بعد ثورة يناير 2011، حيث وجدت النخبة السياسية النابتة من أرض التيار السلفى نفسها فى اندهاش، يصل إلى حد الصدمة، حين تعاملت وجها لوجه مع المشكلات الحياتية للجماهير، ومع أطروحات سياسية لم يدر بخلدهم يوما أنهم سيناقشونها، ومع مسائل فنية فى الاقتصاد والقانون، كانوا يتصورون أن ما لديهم فى الكتب القديمة يغنيهم عن الاهتمام بها.

وإزاء هذا التحدى الكبير أخذ السلفيون يقطعون رحلة جديدة نحو التعلم، فراحوا يجوبون على أهل الاختصاص فى القانون والاقتصاد والعلوم السياسية والإدارة، ليعرف بعضهم عنها من لم يرد أبدا على هذه الحقول المعرفية والمجالات الحياتية، ويعمق من لديه فكرة عنها ما عنده، حتى يصبح مؤهلا لدوره الجديد، كنائب فى البرلمان، أو مسؤول إدارى كبير، أو وزير أو مساعد لرئيس الجمهورية أو أى مناصب أخرى يسعى التيار السلفى إلى حيازتها فى الوقت الحالى والمستقبل المنظور.

وفى البداية قد يتعامل السلفيون مع هذه المعطيات من باب «التحايل» لكن بعضهم سيكتشفون بمضى الوقت أن التحايل غير مجد، وأنه لا رجعة عن المصطلحات والمفاهيم الجديدة التى أخذ السلفيون يرددونها، فهم يتكلمون الآن عن «الحزب السياسى» وليست «الفرقة» وعن «البرلمان» وليس «أهل الحل والعقد» وعن «الديمقراطية» وليست «الشورى» وعن «الانتخابات» وليست «البيعة»، وكل هذه المفاهيم الجديدة بنت التجربة السياسية الغربية، التى يهاجمون المعجبين بها فى مصر وغيرها من التيارين الليبرالى واليسارى، ويرمونهم بأنهم «متغربون».

وسيظل دوما هناك «سلفيون جهاديون» يروق لهم حمل السلاح فى وجه المختلفين معهم فكريا أو سياسيا أو دينيا أو مذهبيا، ومثل هؤلاء كمرض «السكر» لا شفاء يرجى منه، لكن يمكن للجسد أن يقلل من آثاره السيئة وأخطاره إن أحسن التعامل معه فى صرامة وانضباط.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية