أحمد الدريني
توصلت الصين إلى حيلة ذكية جدًا في حربها الشعواء ضد الفساد والفاسدين في البلاد.
فقد قررت تنظيم زيارات إجبارية للمسؤولين المحليين هم وزوجاتهم إلى السجون!
تهدف الزيارات إلى الترهيب النفسي والتلويح بالمصير المستقبلي الذي ينتظر هؤلاء المسؤولين إذا ما ثبت تورطهم في جرائم فساد.
ووفقاً لـ«الهيئة المركزية للانضباط والتفتيش»، وهي الهيئة الحكومية الصينية المعنية بالرقابة على الفساد ومكافحته، فإن غرض هذه العملية هو «تحذير تثقيفي، يسمح للمسؤولين بالاطلاع على الحياة خلف القضبان»، على حد ما ورد في تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي.
«تحذير تثقيفي»..التعبير في حد ذاته باعث على أن يطلق الواحد منا ضحكات شريرة متقطعة.
الزيارات تشمل عقد لقاءات بين مسؤولين مسجونين على خلفية قضايا فساد، وبين مسؤولين حاليين هم وزوجاتهم، وفي أثناء هذه اللقاءات يقوم السجناء بحكي حكايتهم كاملة.. من المنصب للفساد للسجن.
ويفترض أن هذه الخطوة واحدة من خطوات الرئيس الصيني شي جين بينغ الذي يحكم منذ العام 2012 ويضع على رأس أولوياته قضية محاربة الفساد والفاسدين.
الفكرة مقبضة وطريفة في آن معاً، وتتسم بقدر هائل من الخيال وتعكس رغبة أصيلة في اجتثاث جذور الفساد من البلاد.
وتعد إجراءًا مباشرًا وصريحًا في حرب الرئيس شي جين بينغ ضد الفسدة الذين يملأون أركان الصين وأجنابها.
وبمد الخط على استقامته.. تنتشي مصرية الواحد بداخله لمجرد أن يتخيل أن نخصص زيارات مماثلة للوزراء والمحافظين والمسؤولين.. وزوجاتهم من الهوانم المنعمات.
فالطفطف الذي يتجول في سجن طرة لينقل الزوار من بوابة الدخول الرئيسية لأبواب السجون بالداخل، سيبدو في غاية الإبهاج والإنعاش للشعب المصري إذا ما ركبه المهندس إبراهيم محلب هو وأفراد حكومته.
بل سيبدو الأمر أكثر مصداقية وواقعية إذا زار السيسي بنفسه مقر احتجاز مرسي، ومقر تمارض مبارك، فالسجن والمستشفى- وإن تفاوتا- لهما ذلك الأثر البغيض الكئيب في النفس، الذي يذكر الإنسان عمومًا، والمسؤول خصوصًا بمآلاته المحتملة إذا ما خان الأمانة.
ماذا لو اتعظ مسؤولو الحكومة المصرية، وهم بتعاقب الأجيال وبخبراتنا معهم على أتم استعداد لأكل مال أولي العزم من الرسل، والتحلية بأموال الحواريين والصديقين والشهداء، دون أن يرف لهم جفن ضمير؟
كم يتمنى الواحد لو كان هناك وزير داخلية واحد يقبع خلف القضبان، كي يُجبر من بعده كل من يتقلد المنصب على زيارته ومعاينة لياليه السوداء داخل زنزانته، ليعرف مصير الفاسدين والآمرين بقتل المواطنين وقنصهم وإخفائهم قسريًا أو اعتقالهم دون سند قانوني، لمصلحة نظام سياسي فانٍ.
كم يتمنى الواحد لو أن هذه السجون ملأى بضباط التعذيب وبالوزراء الفاسدين وبالمحافظين المرتشين وبلصوص المال العام من مختلف قطاعات الدولة.
فحين يتحول الفاسدون إلى مواعظ حية على قدمين، وحين يصبحون في سجونهم أمثولة لمن خلفهم.. ربما يتغير شيء ما في المستقبل القريب، حين يتسرب الهلع من الفساد إلى قلب كل جالس على الكرسي.
بل ويحضر الواحد في هذا الموضع الوصف المتواتر لصلاة الصالحين من السلف الطاهر، الذين كانوا حين يقفون بين يدي الله عز وجل يرون الصراط منصوبًا!
وليت المسؤولين المصريين يتقلدون مناصبهم وهم يرون كل يوم أبواب السجن منهم قريبة مفتوحة على مصراعيها، ولسان حالها: «هل من مزيد؟.»
إن انتشال الدولة المصرية من نكباتها وعثراتها أمر يحتاج أن نعمل عليه بمعزل عن يأسنا أو أملنا في أي نظام سياسي حالي أو قادم، فللأنظمة جرائمها وعثراتها وطموحاتها ومنجزاتها.
والأخيرة قد تتحقق بعيدًا عن العوامل الموضوعية لحال الدولة كصلابة ونزاهة الجهاز الحكومي مثلا، إذا ما تلقت هذه الأنظمة مساعدات خارجية ضخمة أو معاونات داخلية من رجال أعمال أو خلافه.
لذلك لابد من إيجاد ضمانات ومعالجات حاسمة من داخل جسم الدولة تمكنها من أن تستمر معنا طويلًا لتزيد من كفاءة العمل العام وتحكم الرقابة عليه، إذ إنه لن يجيء بين عشية وضحاها رئيسٌ يملأ الدنيا عدلا كما مُلئت ظلمًا وجورا!
وليس أكفأ من زيارات إجبارية للسجون لأجل هذا الغرض!