كان الوفد الحزب السياسى رقم واحد، الذى يعبر عن المصريين ويتحدث باسمهم، بداية من تأسيسه، إبان ثورة 1919، وحتى قيام ثورة يوليو 52، ثم توقف الحزب عن العمل بعد أن حل الرئيس الراحل جمال عبدالناصر الأحزاب، ومع عودة الحياة الحزبية فى 1978 توقع الكثيرون أن يظل الوفد فى الصدارة، لكن توقف الحزب مرة أخرى بقرار من الرئيس السادات بعد مؤتمر لفؤاد باشا سراج الدين بالإسكندرية، هاجم فيه الرئيس الراحل.
عاد الحزب للحياة فى 1984 بحكم قضائى، إلا أن تحالفه مع جماعة الإخوان فى انتخابات 84 و87 انتقص كثيرا من رصيده فى نفوس المصريين، ومن بعدها لم يعد حزب الوفد بيتا للأمة خلال العقود الماضية، فلم نشاهد موقفا كبيرا يعبر عن جموع المصريين على مدار الـ15 عاما الماضية وحتى من قبلها، فتقوقع الحزب على أعضائه وبدأت الصراعات تدب بداخله منذ وفاة فؤاد باشا سراج الدين، الذى ظل يشغل موقع رئيس الحزب طيلة 16 عاما.
ومرت أحداث كثيرة على مصر خلال الخمس سنوات الأخيرة كان الوفد إما طرفا ضعيفا فيها أو بعيدا عنها، أو لم يكن على مستوى الحدث، فمثلا قاطع الوفد انتخابات مجلس الشعب فى 2010 فى جولة الإعادة، وبرغم ذلك حضر رئيس الحزب السيد البدوى الجلسة الافتتاحية للبرلمان التى كانت آخر جلسة يفتتحها الرئيس الأسبق مبارك، وجاءت ثورة 25 يناير، فلم يعلن الحزب موقفا واضحا بالمشاركة فيها منذ البداية بشكل مؤسسى، وإن كان رئيس الحزب وافق لشباب الحزب على المشاركة فى المظاهرات بشكل شخصى وليس بقرار حزبى.
وبرغم علم الوفد بتاريخ جماعة الإخوان، وبرغم رصيده فى نفوس المصريين، فضل الوفد أن يترك الساحة لجماعة الإخوان التى قفزت على السلطة، وتحالف مرة أخرى معها فى الانتخابات البرلمانية، من خلال «التحالف الديمقراطى» برغم اعتراف جميع الوفديين بأن هذا خطأ كبير حدث من قبل ولا يجب أن يتكرر، ومن بعدها دبت الخلافات مرة أخرى على حصص كل حزب، كان نتيجتها خروج الوفد من التحالف، وهو ما جعل المصريين يشعرون بأن قرارات الحزب المصيرية والهامة غير مدروسة بالمرة.
ونشبت الخلافات مؤخرا مع موجة الغضب التى انتابت بعض الوفديين احتجاجا على سياسات الدكتور السيد البدوى، رئيس الحزب، الذى يردد دوما أن مقر الوفد بحى الدقى «بيت الأمة»، وعلى الرغم من المبادرة التى رعاها الرئيس السيسى لإبرام صُلح بين قطبى الحزب، البدوى، وفؤاد بدراوى، الذى يتزعم تيار الإصلاح وعصام شيحة، عضو الهيئة العليا، إلا أن النفوس لاتزال محتقنة، ولاقت المبادرة قبولا شكليا، ولم يتم إبرام الصلح، ما اعتبره مراقبون «جريمة فى حق الوفد» ورسالة بأن «الأحزاب لا تعتنى بمؤسسات الدولة».
فهل يعود الحزب للشعب ويعمل مرة أخرى فى إطار مؤسسى وديمقراطى حقيقى بعيدا عن الصراعات التى تدب بداخله، وانتخابات مجلس النواب على الأبواب.